يحتفل المَسيحيُّون الأرثوذكس فى العالم غدًا بـ”عيد القيامة” المجيدة ونهنئهم جميعًا. وحين نتكلم عن الحياة، لا يمكننا أن نغفل حقيقة “القيامة”، وأن طريق الحياة فى هٰذا العالم هو درب مستمر لا ينتهى: ابتدءا بالميلاد، ولٰكنه ينتهى بالخُلود. وجميعنا يسير درب الحياة ثم يعبر جسر الموت الذى ينتهى بـ”القيامة” والحياة الأبدية.
إنه طريق واحد مستمر يجنى فيه كل إنسان ثمار ما زرعه فى أيامه على الأرض. فينبغى لنا أن نُدرِك أن مصير الحياة بعد الموت يعتمد على أسلوب الحياة التى قررنا أن نحيا به على الأرض، مع الفارق فى أننا هنا نتمكن من تعديل قرارات اتخذناها، أو نغير سمات اكتسبناها، وننجح فى زرع ما يصلح للأبدية أو نفشل، وفى آخر الأمر سوف نحيا الحياة التى قررناها؛ لذٰلك:
لينتبه الإنسان فى جميع خَطوات الحياة التى سوف تؤدى به فى نهاية المطاف إلى السعادة أو الشقاء. ليقيِّم أهدافه، ووسائل الوصول إليها، وكل عمل يؤديه؛ فبمثل هٰذه التقييمات يتمكن من اتخاذ القرار المناسب فى وقته المناسب، ولا يكتشف فجأةً أن الحياة قد تسربت من بين يديه سُدًى.
هٰهنا، فى هٰذه الحياة التى نسير فى دُروبها، يعمل الإنسان ويَكِدّ ويتعب من أجل تحقيق الراحة والسعادة؛ وهٰكذا عليه أن يتيقَّن أن الأبدية أيضًا ستحمل له السعادة؛ وهٰذه هى المعادلة الصعبة، وهٰذا هو الاختيار الذى يجب على الإنسان أن يفكر فيه كثيرًا. فعلى سبيل المثال: تحتاج الأمانة فى الحياة إلى كثير من البذل والجهد والصدق والعمل؛ لذٰلك قد يرى البعض أنه لا حاجة به إلى بذل كل هٰذا المجهود، أو أنه لا يوجد من يقدر تلك الصفات، أو أن هناك طريقًا أيسر وقد يصل به إلى نتائج أفضل؛ وفى المقابل الأمانة هى إحدى الثمار التى يجازى الإنسان عنها خيرًا فى السماء. ومن هنا يجب أن يكون القرار!!
الحياة أقصر جدًّا مما يتخيل الإنسان، ولن يستطيع أن يقوم فيها بعمل كل ما يحلُم به أو ما يتمناه مهما طالت حيِاته؛ لذٰلك عليه أن يرتب أولويات حياته بطريقة صحيحة، فيضع اهتماماته الأولى المرتبطة بحياة ما بعد “القيامة” فى مقدمة أهدافه. فما يستطيع حمله معه فى الأبدية هو الخير الذى قدَّمه فى الحياة. وعند جسر الموت، كل إنسان سوف يتركك، وكل مال أو كَنز لن تستطيع حمله معك، وكل سلطة أو مكانة لن تحملها معك. كل ما يمكنه أن يتبعك هى تلك الأعمال التى يَخالها البعض بسيطة أو لا تستحق أن تنال بعضًا من أوقاتهم، لٰكنها يقينًا هى ما سوف تحمله إلى أبديتك.
كل عام وجميعكم بخير.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى