أهنئ إخوتنا المسلمين فى «مِصر» والشرق الأوسط وسائر المعمورة بـ«عيد الأضحى»، متضرعًا إلى الرب أن يبارك «مِصر» ويحفظها فى أمن وسلام وبركة. تحدثنا بالمقالة السابقة عن «السيدة العذراء» وفضيلة «الوداعة» التى ملأت جوانب حياتها. واليوم، نستكمل الحديث: أنها «فخر جنس البشر»؛ فقد كتب عنها: أنتِ أرفع من السمائيِّين، وأجَلّ من «الكاروبيم» وأفضل من «السيرافيم» (رُتب ملائكية)، وأعظم من طغمات الملائكة الروحانيِّين، وممجَّدة أكثر من الآباء والبنين، وزائدة فى الكرامة على التلاميذ الأفاضل المرسَلين، أنتِ فخر جنسنا، بل بكِ تفتخر البتولية، وبكِ تكرَّم الطهارة والعفة، أنتِ تفضلت على الخلائق التى تُرى والتى لا تُرى؛ لأجل عظمة كرامة الرب الإله المسجود له الذى اصطفاكِ…»؛ وكيف لا تكون فخر البشر؟! فهى من كتب عنها «سُلَيمان الحكيم» فى «سفر الأمثال»: «بَنَاتٌ كَثِيرَاتٌ عَمِلْنَ فَضْلاً، أَمَّا أَنْتِ فَفُقْتِ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا»، وهى من تنبأ «إشَعَياء النبى» أنها تلد ابنًا: «يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»، ووصفها «حَزْقِيال النبى» بـ«الباب المغْلَق»: «فَقَالَ لِيَ الرَّبُّ: «هذَا الْبَابُ يَكُونُ مُغْلَقًا، لاَ يُفْتَحُ وَلاَ يَدْخُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ فَيَكُونُ مُغْلَقًا…»، قاصدًا استمرار بَتولية «السيدة العذراء» بعد ولادتها السيد المسيح؛ وهى من شهِد لها «القرآن» فى «سورة آل عمران»: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾، وفى «سورة التحريم»: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾.
إنها «السيدة العذراء» الحاملة ألقابًا كثيرة، منها:
«الملكة القائمة عن يمين الملك»
فقد كتب عنها «داود النبى» فى مزاميره: «قَامَتِ الْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ».
«أمنا القديسة العذراء»
و«أمومة السيدة العذراء» للجنس البشرى هى فكرة نابعة من قول «السيد المسيح»، وهو على «الصليب»، إلى تلميذه «يوحنا الحبيب» حينما أوكل مسؤولية رعاية أمه إليه: «هذِهِ أُمُّكَ»، ثم التفت إلى «السيدة العذراء» وقال لها: «هُوَ ذَا ابْنُكِ»؛ ومنذ تلك اللحظة صارت «السيدة العذراء» أمًّا لنا جميعًا.
«سُلَّم يعقوب»
بينما كان أبونا «يعقوب» هاربًا من وجه أخيه «عيسو»، رأى حُلمًا أن سُلَّمًا تربِط الأرض والسماء؛ وتلك السُلَّم ترمز إلى «السيدة العذراء» التى بولادتها للسيد المسيح قد أوصلت سكان الأرض بالسماء.
«الحمامة الحسنة»
فى تذكرنا للحمامة التى حملت إلى أبينا «نوح» غصنًا من الزيتون رمزًا للسلام وبشرى الخلاص من مياه الطوفان، نتذكر «السيدة العذراء» الحمامة الحسنة فى بساطتها وطهارتها، حاملةً إلينا بشرى السلام والخلاص بولادتها المسيح.
«السحابة السريعة»
وقد شُبهت «السيدة العذراء» بالسحابة السريعة لارتفاع مكانتها من جهة، ولأجل النبوة التى تتحدث بمجيئها إلى «مِصر» فى سفر «إِشَعْياء النبى»: «وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا».
ومن الفضائل فى حياة «السيدة العذارء»:
حياة الاتضاع
تُعد حياة «السيدة العذراء» نموذجًا فريدًا لا يتكرر لحياة التواضع التى أراد السيد المسيح أن يعلمنا إياها: فنشعر باتضاعها وخضوعها العجيبين فى قولها للملاك المبشر إياها بحبلها وولادتها السيد المسيح: «هوذا أنا أمَة الرب»، وفى تلك التسبحة التى رددتها بعد ذَهابها إلى نسيبها «أليصابات»: «تُعَظِّمُ نَفْسِى الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِى بِاللهِ مُخَلِّصِى، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ»، بل كان اتضاعها عمليًّاـ لا كلامًا فقطـ تجلى فى ذَهابها إلى «أليصابات» فور أن علِمت بحبلها بابن فى شيخوختها، ساهرةً على خدمتها المدة الباقية من حبلها حتى تمت أيام ولادتها.
و«السيدة العذراء» فى اتضاعها كانت صامتة، قليلة الحديث، تحتفظ بجميع ما يحدث من أمور فى قلبها، متفكرةً به متأملة، إذ قيل: «وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِى قَلْبِهَا»؛ وكانت تقدم خدمتها للجميع فى صمت، أو بكلمات قليلة كما فى طلبها من ابنها أن يُجرى معجزة فى «عرس قانا الجليل». و… والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى