يرتبط إنجيل هٰذا الأحد من (يوحنا ٦: ٢٢-٢٧) بمعجزة “إشباع الجموع” التي ذُكرت في انجيل الأحد السابق؛ وفيها نرى أن الجموع التي شهِدت تلك المعجزة أخذت في البحث عن السيد المسيح: “فلما رأى الجمع أن يسوع ليس هو هناك ولا تلاميذه، دخلوا هم أيضًا السفن وجاءوا إلى كفرناحوم يطلبون يسوع”. وعندما التقَوا السيد المسيح ووجدوه عبْر البحر، دار بينهم هذا الحوار: ” قالوا له: «يا معلم، متى صرتَ هنا؟».”، فأجابهم: “الحق الحق أقول لكم: «أنتم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آيات، بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبِعتم …”. إن أحد الأسئلة المهمة والمصيرية في حياة الإنسان هو: لماذا يبحث الإنسان عن الله في حياته؟ وتتعدد الأسباب وتتباين: فهناك من يطلب الهي ويصلي ويمارس الطقوس خوفـًا ورعبـًا! وهناك من لديه حاجات يريد تحقيقها، وهناك من يحب الله إذ يرى ذٰلك الجمال الفائق في محبته ورعايته فيتبعه بكل قلبه، متغاضيـًا عن صعوبات الباب الضيق وآلامه، بل يسعد ويفرح بها إذ يرى فيها معونة ورحمة، شاعرًا بقوة وجود الله معه في مسيرة الحياة. وهٰذا النوع الأخير هو ما عاشه الآباء القديسون: فعلى سبيل المثال نرى القديس “أنبا بولا أول السواح” يقول: “من يهرُب من الضيقة يهرُب من الله”، إذ عرَف واختبر ذٰلك الوُجود في حياته.
ونجد أن إجابة السيد المسيح عن سؤال الجمع له تكشف حقيقة بحثهم عن الله: فهم يبحثون عن الشِّبَع الأرضيّ الذي سوف ينقضي يومـًا ما مع انتقال الإنسان من هٰذا العالم. ولأنهم انحرفوا عن الهدف، يوجه السيد المسيح أنظارهم في أن سعيهم الحقيقيّ يجب أن يكون بهدف الملكوت والحياة الأبدية: “اعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية …”، وفي العظة على الجبل يؤكِّد ذٰلك بقوله: “اطلبوا أولاً ملكوت الله وبِره، وهٰذه كلها تُزاد لكم.” إن الله يُدرك احتياجك بكل أنواعه ولا يتغافل عنها أو يتناساها ـ حاشا ـ بل يمنحك إياها، ولٰكن: أين قلبك، وهدفك في الحياة؟!