فصل الإنجيل لهٰذا الأحد من (لو ٥: ١-١١) عن معجزة صيد سمك كثير، حيث اجتمع جمع كثير حول السيد المسيح ليستمع إلى تعاليمه، وكان آنذاك واقفًا عند “بُحيرة جَنِّيسارَت”؛ وفيما هو يعلِّم رأى سفينتين واقفتين عند شاطئ البحيرة، والصيادون قد غسلوا شباكهم، فدخل إحدى السفينتين وبدأ يعلِّم الجموع منها. وبعد أن انتهى السيد المسيح من تعاليمه، قال لصاحب السفينة “سِمعان” أن يبتعد إلى العمق ويُلقي شباكه ليصطاد. إلا أن “سِمعان” قال للسيد المسيح أنهم قد قضَّوا الليل كله في الصيد ولٰكنهم لم يصطادوا شيئًا، ومع هٰذا فهو على كلمته سيُلقي الشبكة؛ ولما فعلوا هٰذا اصطادوا سمكًا كثيرًا حتى كادت الشباك تتمزق!! وطلب الصيادون من زملائهم في السفينة الأخرى أن يُسرعوا لمساعدتهم. ومن تلك المعجزة، تعلَّم أن:
• تثق
ثِق في تدبيرات الله وكلماته، وإن خالفت المنطق البشريّ؛ فالصيد يجري ليلاً وقرب الشاطئ، أمّا السيد المسيح فقد طلب من “سِمعان” في وضَح النهار أن يبعُد إلى العمق ليصطاد: “ولما فرغ من الكلام قال لسمعان: «اُبعُد إلى العمق وألقوا شباككم للصيد»”. فلا تحاول في حياتك أن تجعل من قدرات الله أمرًا خاضعًا لفَهمك البشريّ وتصوراتك، فما أبعد أفكاره عن أفكارنا وطرقه عن طرقنا! ” يا لَعمق غنى الله وحكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء!” (رو ١١: ٣٣).
• تُطيع
أطِع وصايا الله وكلماته وتدبيراته فهي التي تقودك في طريق الحياة وتهب لك البركات الكثيرة: “فأجاب سمعان: «يا معلِّم، قد تعِبنا الليل كله ولم نأخذ شيئًا. ولٰكن على كلمتك أُلقي الشبكة».”. لقد كانت مبررات كثيرة أمام “سِمعان” حتى لا ينفذ كلمة السيد المسيح التي تخالف خبرته الشخصية بوصفه صيادًا، وهو أيضًا المتعَب المنهوك القُوى بعد ليلة قضّاها في العمل دون أن يصطاد شيئًا، إلى جانب مشاعر الإحباط والفشل بسبب عدم صيدهم شيئًا، وهٰكذا فقدوا قوت يومهم ووجب عليهم الانتظار حتى الليل ليبدؤوا من جديد؛ لٰكن “سمعان” قرر أن ينفذ كلمات السيد المسيح فشهِد معجزة من أعظم المعجزات: “ولما فعلوا ذٰلك أمسكوا سمكًا كثيرًا جدًّا فصارت شبكتهم تتخرق. فأشاروا إلى شركائهم الذين في السفينة الأخرى أن يأتوا ويساعدوهم. فأتَوا وملأوا السفينتين حتى أخذتا في الغرق.”!!! وهٰكذا دائمًا رجال الله: أطاع “إبراهيم” تاركًا أرضه وهو لا يعلَم إلى أيّ موضع فصار “أب الآباء” و”خليل الله”، وأطاع “يوسُِف” الوصية فصار الرجل الثاني في “مِصر”، وأطاع “موسى” فقاد شعب الله؛ إنها قصة جميع الأجيال.
• تُدرِك
سمَح الله لـ”سمعان” و”يعقوب” و”يوحنا” أن تمر بهم ليلة عصيبة فاشلة لم يصطادوا فيها شيئًا، وكان ذٰلك لأجل عطاء أكبر وعمل أعظم وخدمة أعمق إذ صاروا جميعًا صيادي الناس أيْ مبشرين وجاذبين إياهم بسر الحياة الأبدية والبشارة المفرحة. فرُب ضيقة يسمح الله أن تمر بك لتغيّر من حياتك وأفكارك واتجاهاتك فتقترب إليه ويصير ملجأك وملاذك. المهم أن تُدرك المغزى مما تتعرض له من أحداث: “فلما رأى سمعان بطرس ذٰلك خر عند ركبتَي يسوع قائلا: «اُخرج من سفينتي يا رب، لأني رجل خاطئ!». إذ اعترته وجميع الذين معه دهشة على صيد السمك الذي أخذوه. وكذٰلك أيضًا يعقوب ويوحنا ابنا زبدي اللذان كانا شريكَي سمعان. فقال يسوع لسمعان: «لا تخَف! من الآن تكون تصطاد الناس!». ولما جاءوا بالسفينتين إلى البَر تركوا كل شيء وتبِعوه.”.