يقدم لنا إنجيل هٰذا الأحد (متى ١٨: ١-٩) إجابة السيد المسيح عن سؤال ظل يشغل فكر التلاميذ، وهو ما يزال يشغل أذهان كثير جدًّا من البشر: “من هو أعظم في ملكوت السمٰوات؟”؛ وهنا يتبادر إلى الذهن: أيخطئ الإنسان عندما يرغب في أن يكون عظيمًا؟! أعتقد أن الإجابة تختلف بحسب مفهوم كل إنسان عن ماهية “العظمة”؟ هناك من يراها في امتلاك الأموال، وهناك من يحسَِبها تَرافق السلطة والقوة، وهناك من يعتبرها كامنةً في الوضع الاجتماعيّ؛ وكانت تلك الأمور هي السائدة في فكر كثير من الثقافات، ومنها الثقافة الرومانية التي كانت تنتشر في ذٰلك العصر. أمّا السيد المسيح فقد قدم مفهومًا آخر عن “العظمة”: “الحق أقول لكم: إن لم ترجِعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السمٰوات. فمن وضع نفسَه مثل هٰذا الولد فهو الأعظم في ملكوت السمٰوات.”.
ما معنى أن يرغب الإنسان في أن يكون عظيمًا في ملكوت السماوات؟ إنها لا تعني سوى أن يكون عظيمًا أمام الله؛ وقد وضح لنا السيد المسيح مثال ذٰلك بأن يضع الإنسان نفسَه مثل ولد أو طفل صغير حيث نجده:
• عظيمًا في محبته: يتعامل الطفل كثيرًا في مواقف بمشاعره التي تمتلئ فيضًا من الحب الذي يأسِر معه القُلوب؛ فمحبة الطفل مثل نهر صافٍ يتدفق في حياة البشر، مقدِّمًا لهم الدفء والحب دون انتظار مقابل. وبينما تظن أنك تهب له الحب، إذ هو يقدم لك أعظم المشاعر وأسماها!! وكثيرون رغِبوا أن يظلوا أطفالاً يحملون في أعماقهم أرق سماته، فيقول “جُبران خليل جُبران”: “ليتني طفل لا يكبُر أبدًا! فلا أنافق، ولا أراهن، ولا أكره أحدًا”.
• عظيمًا في غفرانه: تمر مشاحنات كثيرة بين الأطفال، ولٰكن أعجَبُ ما في معاملاتهم معًا أنهم يتشاحنون ثم تجدهم بعد دقائق يلعبون معًا في ود ووئام، وسلام كنت تظن أنه لن يحِل بينهما أبدًا!! ليت البالغين الذين مروا بتجارِب الحياة يُدركون كم هي قصيرة الحياة عن أن يقضِّونها في مشاحنات! بل تجد ذٰلك أيضًا يحدث مع الكبار؛ يقول أحدهم: “إن أسأتَ إليهم (إلى الأطفال) اليوم، ففي الغد ينسَون! وبكلمة تستطيع أن تمحو تلك الإساءة!! ذٰلك لأن قلوبهم بيضاء لا تحمل ضغينة على أحد.”.
• عظيمًا في إدراك ضعفه واستناده إلى أبويه: دائمًا ما تجد الطفل شديد الثقة في أبويه، معتمدًا عليهما في جميع شُؤونه، واثقًا أنهما يستطيعان كل شيء؛ وهٰكذا تجدهم لا يخافون أو يهابون أيّ أمر حين يكونون ممسكين بأيدي والدِيهم، تملؤهم الثقة في وعودهم وإرشادهم ومحبتهم.
• عظيمًا في حماسه: يقال: “سر العبقرية أن تحمل روح الطفولة إلى الشيخوخة لئلا تَفقد الحماسة أبدًا”؛ إن أراد الأطفال أمرًا لا يهدؤون أو يتوقفون عن المحاولة حتى يُتمموا ما انتوَوه، لهم الحماسة والعزيمة الصادقتان في تحقيق ما يرغبونه.
لذٰلك، إن أردتَ أن تكون عظيمًا في السماء فكُن:
• عظيم المحبة،
• عظيم الغفران،
• عظيم الثقة في أبيك السمائيّ،
• عظيم الحماسة في توبتك وأعمال البر وحياة الفضيلة.