قال لى: أشعر بحُزَن شديد جدًّا!! فأنا أحب عملى وأقوم به بأمانة شديدة، كما أحاول مساعدة زملائى متى احتاجوا إلى مساعدة. لا أكترث كثيرًا أو قليلاً أن يذكروا أمر مساعدتى لهم، فأداء العمل جيدًا هو ما يُسعدنى. ولٰكننى أشعر بألم شديد إذ هناك زميل عمل يحاول أن يُفسد تلك الصورة، ولا أدرى سبب ذٰلك: فهو كثير الحديث بأسلوب لا يليق مع زملائه والعاملين تحت رئاسته، ويفتعل صنع المشكلات، ويقدم معلومات ليست دقيقة للرؤساء، ولا يقبل أى نصائح، والآن يحاول إقصائى عن العمل من خلال إفساد العَلاقة بينى وبين رؤسائى. كثيرًا ما أتساءل، وأنا أسير فى طريق الحياة: أيوجد عدل على الأرض؟َ! أم تظل الحقيقة هى تلك التى نعيشها هنا، والتى عبّرت عنها كلمات الشاعر “جُبران خليل جبران” بقوله:
وَالْعَدْلُ فِى الأَرْضِ يُبْكِى الْجِنَّ لَوْ سَمِعُوا
بِهِ وَيسْتَضْحِكُ الأَمْوَاتَ لَوْ نَظَرُوا
صمتُّ قليلاً، وقلت له: هل لك أن تسمع قصة وقعت فصولها فى طريق الحياة ؟! أجاب: هاتِ ما عندك. قلت: فى يوم من الأيام، كان لى صديق يعمل فى إحدى الشركات مديرًا، وكان له نائب ذو شخصية صعبة: يعامل موظفى الشركة بقسوة وعدم رحمة، دائم الإحراج لهم أمام المديرين، لا يقدر أى مجهودات مبذولة، دائم الاحتداد فى المناقشات؛ حتى صار كثيرون يتحاشون العمل معه. وذات يوم، قام ذٰلك النائب بزرع الفتن بين صديقى المدير ورؤسائه فى العمل بتقديم بيانات خاطئة له ليقوم باتخاذ قرارات غير دقيقة أمام رؤسائه، الأمر الذى أدى إلى إبعاد المدير عن منصبه وعن فرع الشركة تمامًا، وهو ما أحزن كثيرين متسائلين: لماذا ينتصر الظلم؟! أين العدل فى الأرض؟! فى ذٰلك الوقت قلتُ: الله عادل ويحب العدل، ومهما انطوت الأيام ورحلت فلا بد من أن يحصُد كل إنسان ما زرعه فى طريق حياته؛ فالخير لا يموت، والشر أيضًا لا يتوه وسْط معالم الحياة القاسية، وحتمًا سيأتى اليوم الذى تُكشف فيها الحقائق. تساءل محدثى فى إحباط: وهل جاء ذٰلك اليوم، فأعتقد أنه ضل طريقه فى الحياة؟! أجبته: لم تمر سوى بضعة أشهر حتى اكتشف الرؤساء الدور الذى قام به نائب المدير فى الوشاية به، وتعرض لعقاب رادع فاق ما سببه للمدير.
إن طريق الحياة يمتلئ بكثير من الذين ضلوا إنسانيتهم واعتقدوا أن ما يقومون به هو نوع من الذكاء، أو أنه طريقهم نحو النجاح واعتلاء المناصب على حساب الآخرين. ولٰكن لم يُخلق الإنسان هٰكذا أو لهٰذا الغرض، بل للسُّمو والإنسانية، للخير والحياة، ولن يمضى من هٰذه الحياة قبل أن يعبر ذٰلك الجسر الذى دفع الآخرين إلى عبوره: خيرًا كان أم شرًا! أمّا ثقة الإنسان، فيجب أن تكون أولاً وأخيرًا بعدل الله وحكمته، فجميع ما يسمح به لنا فى الحياة فهو لخيرنا، مهما بدت الأمور على نقيض ذٰلك: إنه إلٰه الحب والخير.