تحدثنا فى المقالة السابقة عن قسوة الحياة وصعوبتها عندما تفقد كل ما هو إيجابى من ملامحها. إلا أننا يجب أن نتأمل أنفسنا أولاً لنعرف ما علة ذٰلك التغير. وعلى الرغم من الإحباطات التى قد تكتنف الحياة، فإننا يجب أن نتصدى لها بالفكر الإيجابيّ؛ فلا يزال الخير قابعًا فى قلوب تمتلئ بالخير والود للجميع، وما تزال أيدٍ تساند الآخرين وتساعدهم فى محاولة لإسعادهم. أمّا عن الحياة من دون محبة وود بين البشر، فهى إحدى أنواع الموت والدمار!!
وعن زرع المحبة، لابد أن يُدرك الإنسان دوره الإيجابى فى الحياة ونحو الآخرين، فلا ينتظر أن يبدأ الآخرون بمحبتهم، بل يزرع هو الحب فى قلوبهم بمحبته هو لهم أولاً . أتذكر قصة سمعتها عن أحد الأشخاص الذى كان محبوبًا جدًّا على مدًى واسع لا يمكن تخيله: سواء أمن زملائه، أم مرؤوسيه، أم رؤسائه، بل من كل إنسان عامله بلا استثناء!! وحين سُئل عن سر تلك المحبة الغامرة التى تنطلق من القلوب نحوه، أجاب ببساطته وابتسامته المعهودتين : لقد تعلمت درسًا منذ صباى ؛ وكانت أمى هى من علمنى إياه حيث قد اصطحبتنى إلى أحد الأودية، وطلبت منى أن أقول بأعلى صوتي: أنا أحبك؛ فرددت الكلمتين. وبعد وقت قصير، سمعتُ صدى هاتين الكلمتين يعود إلى مسمعى. ثم طلبت منى أمى ثانيةً أن أردد بصوت مرتفع: أنا أكرهك! فأطعت وهتفت بالكلمتين. وما هى إلا لحظات قليلة حتى سمعت أصداء صوتى تعلو فى وسط الوادي؛ فحينئذ نظرت إلى أمى وقالت لي: هل فهمت الدرس؟! أجبتها: لم أُدركه بعد! فابتسمت بحنان كبير، وقالت: ماذا حدث عندما قلت: “أنا أحبك”؟ قلت: سمعت أصداء العبارة نفسها بعد قليل. وسألت: وماذا عن “أنا أكرهك”؟! أجبت: سمعت الكلمتين بعينهما تترددان أيضًا بعد قليل . قالت : هٰذه هى الحياة، يا ابنى : فأصداء الآخرين من أقوال وأفعال هى نتيجة ما تقوله وتفعله؛ فإن أردت أن تسمع من الآخرين أنهم يحبونك، فعليك أن تبدأ أنت بالحب بكلماتك وأفعالك وحينئذ ترتد إليك محبتك أصداءً فى حياتك . ومنذ تلك اللحظة، تعلمت أعظم دُروس الحياة؛ فبدأت فى تقديم المحبة إلى الجميع، وها أنتم ترَون أصداءها فى حياتي. وعند نهاية القصة تذكرت على الفور الدرس الأعظم الذى قدمه إلينا السيد المسيح : “كما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا أنتم أيضًا بهم هٰكذا”.
قد يجد بعض البشر أنهم حاولوا تقديم المحبة ولٰكنها قوبلت بالإساءة وهٰذا أمر وارد حدوثه، ولٰكن يجب أن نُدرك بعض الحقائق البسيطة : منها أن المحبة تحتاج إلى الحكمة والصدق والأمانة كما تحتاج إلى تفهم أننا جميعًا بشر قد يخطئ بعضنا ويقدم الإساءة مقابل المحبة! ربما هٰذا يرجِع إلى فكرة خاطئة غُرست فى أفكار المسيء، أو لحقد أو حسد داخله. ولٰكن لنثق أن دائمًا ما تكون النهاية إلى جانب الخير. فلا تدَع طبيعة الآخرين تغيّر من طبيعتك.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى