يتذكر المسيحيون العراقيون، الذكرى الخامسة لكنيسة سيِّدة النجاة للسريان الكاثوليك في بغداد، والتي راح ضحيتها حوالي خمسين شخصًا من المصلِّين داخل الكنيسة، وجرح العشرات منهم.
بدأ الهجوم على الكنيسة، عصر يوم الأحد 31 أكتوبر 2010، أثناء إقامة مراسيم القدَّاس، والجهة المنفِّذة للهجوم كان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، حيث احتجز الإرهابيون جميع المصلين داخل الكنيسة كرهائن، وبعد اقتحام الكنيسة من القوَّات الأمنية العراقية، قام الإرهابيون بتفجير أنفسهم وسط المصلين المحتجزين.
ومن ضمن ضحايا هذه المذبحة الكاهنان “وسيم القس بطرس، ثائر عبدال” اللذان دافعا عن المصلَّين، فكانا أول من سقطا في الكنيسة، فضلًا عن الطفل آدم “3 سنوات”، الذي تحدَّي الإرهابيين، بكلماته “كافي كافي كافي”، فسقط مع أبيه، فيما استطاعت والدته وأخته النجاة.
يقول صبري السلمان، الذي فضَل العراق والاستقرار في الولايات المتَّحدة الأمريكية “إن خمس سنوات مرَّت بهدر دماء أبرياء، لا لسبب إلا لأنهم لا ينتمون إلى أمَّة الإسلام، خمس سنوات مرت منذ أن ذُبح الأبوان الطوباويان ثائر ووسيم أمام مذبح الرب”، مضيفًا “بكلِّ الشجاعة تقدَّم الأبوان الشهيدان مقدمين نفسيهما ذبيحه وقربانًا عن شعب الرب المتواجد في الكنيسة طالبين من القتلة عدم المساس بالشعب المؤمن، فكانا أول شهيدين”.
ويضيف “إن مذبحة سيدة النجاة راح ضحيتها العشرات وأصيب العشرات أيضًا، وعاش من لم يصب بأذى آلامًا نفسيةً صعبةً وعصيبة”.
ويؤكِّد السلمان “أن مذبحة كنيسة سيِّدة النجاة كانت المسمار الأول في نعش التواجد المسيحي بالعراق، وما جرى في بلداتنا وقرانا، وأدَّى إلى تهجير وتهميش أهلنا قد يكون المسمار الأخير”. مطالبًا “بإعادة جميع حقوق المسيحيين في العراق المسلوبة، كونه صاحب هذه الأرض وحضارتها التي بناها أجدادهم من الآشوريين والبابليين”.
أما رئيس منظمة عطاء وفقراء باسم القصاب، المتواجد حاليًا في الأردن، فيقول “التتار ظهروا عندك من جديد يا كنيسة سيدة النجاة، والمغول قتلوا وذبحوا منا العديدَ والعديدَ والعديد، اسجدي نعم اسجدي فانت في حضرة خمسين شهيدة وشهيد، قتلوا وذبحوا بلا أي ذنب، نُحِروا من الوريدِ الى الوريد”.
ويضيف القصاب، عاثوا بسيدة النجاة كالأفاعي المسمومة، نفثوا سُمومهم بالجميع ولم يتركوا حتى الوليد، تملّي بآدم وهو يومئ بيده ويصرخ كفى فسقط مضرجًا بدمه، شهيدًا نحروه العبيد، وهكذا سهم وبهنام ونبيل وعدي وجورج ورائد وغيرهم الكثير”.
ويضيف “حين طرقت الفاجعة مسامعنا شابنا الذهول وتساءلنا هل هولاكو بُعِثَ من جديد؟ أراكِ مرتبكة يا بغداد فمن أطلق عليك مدينة السلام ومن أعطاكِ سمة مدينة الرشيد”
ويستذكر القصاب المدن العراقية جميعها التي كانت مسيحية، فيقول “البصرة لنا ونينوى ونوهدرا وحدياب ويشكر وميسان وذي قار تلكم كلها لنا وكل ذرة غبار عراقية لنا، وكل حي وزقاق في العراق يستصرخنا وقت كنا لا نعرف لا حميد ولا خالد ولا وليد، كنا ولا زلنا نصنع التاريخ والأقدام الهمجية تسحقه، وكلَّما يوغلون سحقًا بنا بتاريخنا بعراقنا كلما يستهترون بقيمنا… نبعث يا بغداد نُبعَثُ من جديد”.
ويؤكَّد القصاب “بأن الدماء التي أريقت في كنيسة سيدة النجاة لن تكون الأخيرة لمسيحيي العراق، فالأب ثائر والأب وسيم، ونسيم والطفل آدم ونبيل وريتا وساندرا لم يكونوا أول الركب ولن يكون بهنام آخر شهيد، فنحن يا بغداد شهداء الكلمة والصدق، شهداء السلام نمد رقابنا للسيف كي لا يسقط حرف واحد من العهد الجديد”.
وأخيرًا يعتذر القصاب عن عدم زيارة الشهداء في سهل نينوى، وهي الموطن التاريخي للشعب الكلداني السرياني الآشوري المسيحي، فيقول، “عذرًا يا شهدائنا فكما السنة الماضية لم نزوركم، فكذلك هذه السنة وربما الأخرى والأخرى فأمل عودتنا لازال بعيدًا ولا يلوح بالأفق جديد”.
الجدير بالذكر، أن مذبحة كنيسة سيِّدة النجاة وغيرها من المذابح التي طالت المسيحيين في العراق واستهدافهم وخطفهم وقتلهم وتفجير منازلهم وأديرتهم وكنائسهم والتي بدأت بعد سقوط النظام العراقي السابق عام 2003، سُجِّلت ضدَّ مجهول، وسط مطالبات بالكشف عن الفاعلين القتلة، ولكن جميع ملفات استهداف المسيحيين في العراق أغلقت دون الكشف عن القتلة والإرهابيين.