عقدت جامعة الدول العربية بالتعاون مع مشيخة الأزهر مؤتمرا يوم الإثنين 4 ديسمبر 2017م بعنوان ”التطرف وأثره السلبي على مستقبل التراث الثقافي العربي”، بمشاركة ممثلين عن الدول الأعضاء بالجامعة العربية، والمنظمات العربية الإقليمية والدولية، ومنظمات المجتمع المدني المعنية.
وبحضور نيافة الأنبا إرميا الأسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، وعددا من الشخصيات الدينية والعامة منهم، الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، والدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف، والدكتور محيي الدين عفيفي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والدكتور حمدي زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق.
وناقش المؤتمر عددا من الموضوعات منها مقومات تراثنا الثقافي وأثرها في مواجهة الفكر المتطرف وترسيخ هوية المجتمع، ودور المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني والإعلام والتعليم في مواجهة التطرف والإرهاب.
ويأتي انعقاد المؤتمر تنفيذا لتوصيات البيان الختامي الصادر عن الاحتفال بيوم التراث الثقافي العربي الذي انعقد يوم 26 فبراير 2017، حيث يعد المؤتمر باكورة اعمال اللجنة الدولية للحفاظ على التراث التاريخي الإنساني التي انشأت تحت مظلة الأمانة العامة باقتراح من البرلمان العربي. والتي تضم في عضويتها المنظمات الدولية والعربية المعنية بالتراث وذلك لتوحيد الجهود لحماية التراث الثقافي الإنساني .
وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في كلمته التي ألقاها نيابة عنه مدير إدارة الثقافة بالجامعة الدكتور محمد سعد الهاجري أمام المؤتمر، إن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية تضع موضوع حماية التراث الثقافي العربي ضمن أولوياتها، وذلك ينبع من إيمانها الراسخ بأن هذا التراث هو صمام الأمان تجاه تأكيد الهوية العربية وانطلاقًا من مبدأ ثابت ومفهوم عميق وهو (وطن بلا تراث وطن بلا هوية)
وأعرب عن ترحيب الجامعة العربية بالتعاون مع مؤسسة الأزهر وتأييد جهودها الرامية لوقف كافة أشكال الاعتداءات على تراث وتاريخ الوطن العربي لما يمثله هذا الموضوع من قيمة ثقافية مهمة تتعلق بدعم هوية المواطن العربي .
ولفت الانتباه إلى أن هذا المؤتمر ينعقد في ظروف ومتغيرات إقليمية ودولية بالغة الصعوبة تعاني فيها الأمة العربية من أشرس الحملات على ثقافتها وتراثها الأثري والتاريخي، وهو الهدف الأساسي من انعقاد المؤتمر .
وشدد على الدور المهم الذي يقع على عاتق الشباب من أجل حماية وطنهم ومستقبلهم بالتصدي لكل من يحمل فكرًا متطرفًا، وأن تكون أعينهم موجهة دائمًا نحو حماية وطنهم، باعتبارهم عماد المجتمع .
وقال وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان من جانبه، إن هذا المؤتمر يأتي في إطار جهود الأزهر لخدمة التراث وإثبات براءته مما ينسب إليه من أعمال الإرهابيين والمتطرفين، حيث يهاجم التراث هجمة كبيرة لاسيما وينسب إليه زورًا ما يقترفه البغاة من أعمال عنف وإرهاب، وهي معادلة خاطئة برهن الأزهر في العديد من المؤتمرات على كذبها .
واستنكر ما تعانيه فئات من المسلمين حول العالم ، قائلًا إن تراثنا الإسلامي ليس هو المسؤول كذلك عن التنكيل الذي حل بالمسلمين في البوسنة، وليس المسؤول عن تشريد نحو مليون شخص من مسلمي الروهينجا وحشرهم في حياة لا توصف بالحياة في جزء من بنجلاديش ينتظرون الموت جوعًا أو مرضًا.
وأوضح أن لقاء اليوم هو أكبر عمل مشترك بين الأزهر وجامعة الدول ليس الأول ولن يكون الأخير ، داعيًا جامعة الدول العربية بقدرتها الواسعة إلى نشر هذه المفاهيم وهذه الحقائق .
الجلسة الأولى : مقومات تراثنا وأثرها في مواجهة المتطرف وترسيخ هوية المجتمع
قال المشاركون في الجلسة الأولى لمؤتمر “التطرف وأثره السلبي على مستقبل التراث الثقافي العربي”، والتي حملت عنوان ( مقومات تراثنا وأثرها في مواجهة المتطرف وترسيخ هوية المجتمع ) والذي يعقد بالتعاون بين الأزهر الشريف وجامعة الدول العربية، إن الإرهاب جريمة كبرى تمارس تجاه المجتمعات يوميًّا وتروج لها بعض وسائل الإعلام العالمية، وهو ما يتطلب إرادة إعلامية قوية ومسؤولية كبرى لدى الإعلام العربي لمواجهة هذا الخطر الذي ألمّ بوطننا العربي ويسعى لتفتيته.
وشدد المشاركون على ضرورة أن تتبنى الدول العربية برامج مشتركة، تعمل على الحفاظ على كل ما هو مشرق في تراث الأمة وتاريخها العريق، فمع التطورات الحديثة الهائلة ينبغي ألا نسبح خلف التيار أو نتخلى عن ميراثنا الديني والثقافي والاجتماعي، وإنما ينبغي الحفاظ على الهوية العربية مع الاستفادة من التطورات ومواكبة العصر.
وأكّد المشاركون أن الحضارة الإسلامية تؤمن بالتنوع والتعددية وتقبُّل الآخر والتعايش السلمي بين البشر، بينما نواجه اليوم تداعيات العولمة التي تسعى إلى فرض ثقافة واحدة على مختلف المجتمعات، على اختلاف مشاربها، وتسعى إلى تفكيك الحضارات والثقافات وإحلال ثقافات بديلة لا تناسب التنوع البشري والفكري.
الجلسة الثانية : (دور المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني في مواجهة التطرف والإرهاب)
قال فضيلة أ.د/ شوقي علام مفتي الجمهورية ، خلال رئاسته للجلسة الثانية للمؤتمر والتي حملت عنوان (دور المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني في مواجهة التطرف والإرهاب): إن التراث تركة قيّمة تساعدنا في البناء واستشراف آفاق المستقبل وعلاج القضايا العصرية التي تطرأ بين الحين والآخر، مؤكدًا أن المؤسساتِ الدينيةَ في العالم لم تدخر جهدًا في مواجهة فكر التطرف، وخاصّةً مؤسسةَ الأزهر الشريف التي تتقدم الرَّكْب في مواجهة كافة أفكار الظلام وتحصين المجتمع والشباب.
وأكّد المشاركون في الندوة؛ أن المؤسساتِ الدينيةَ قامت بمجهود كبير في الحفاظ على التراث الإسلامي والاستفادة منه في إنتاج المادة العلمية المعاصرة التي تُعِين الناسَ على فهم دينهم وتطبيقه تطبيقًا موافقًا لجوهره، وأنَّه ينبغي تفعيل دور شباب الأزهر من الدعاة لتحصين أقرانهم من الشباب من خطورة التطرف والإرهاب وأثره السلبي على المجتمع.
وبيّن المشاركون أهمية استمرار الجهود التي تبذلها مؤسسة الأزهر عَبْرَ الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، مع ضرورة تحليل أفكار الشباب من قِبَل العلماء المتخصصين ودراسة أبعادها، وطبْع الكتب الصغيرة التي تنشر التوعية الدينية لدى الشباب والنَّشْء.
وأوضح المشاركون؛ أن الإرهاب الفكري هو أخطر أنواع الإرهاب، حيث يسعى المتطرفون لفَرْض أنفسِهم وأفكارهم الضالة على المجتمعات بالقوة، مستبيحين في ذلك الدماءَ والأعراض والأموال، ويعملون على الاغتيال المادي والمعنوي للشعوب، مع التركيز على إلغاء الآخَر وتكفيره، وهي كلُّها مخاطرُ تنبغي مواجهتُها بكل السُّبُل والوسائل الممكنة.
توصيات المؤتمر
حمل المؤتمر من خلال جلساته ومحاوره كثيرًا من الأفكار والأطروحات التي تعين على تفكيك الفكر المتطرف وترسيخ هُوِيَّة المجتمع، وأكدت جلساته ضرورة تكاتف جميع الدول ومؤسساتها وهيئاتها المعنية بهذا الشأن لمواجهة الإرهاب والتطرف الفكري؛ حفاظًا على التراث الثقافي.
وبعد استعراض الأفكار من خلال جلسات المؤتمر انتهى المشاركون إلى التوصيات التالية:
1- استنهاض همم المعنيين بالتراث للحفاظ على هوِيَّتنا وأصالتنا وحمايتها من الاندثار أو التزييف.
2- تطوير خطط العمل المناهضة للتطرف الفكري الباعث على الإرهاب والهادم للتراث بما يتناسب مع مستجدّات العصر.
3- تثمين الدور الذي يضطلع به الأزهر الشريف وجامعة الدول العربية، في الحفاظ على الهوية والتراث.
4- تقدير قيمة التنوع الثقافي والتعدد الفكري في التُّراث العربي، واستدعاء تجلِّياته ودَوْرِه، وتوظيفه في المجتمع العربي المعاصر.
5- استحداث مادة «الحضارة العربية»، تحت إشراف الأزهر الشريف وجامعة الدول العربية؛ لتتناول السطور المضيئة في تراثنا الثقافي العربي، وإبراز الجوانب الخُلُقيّة والقيَميّة فيه، وتُدرَّس على مستويي الإعدادي والثانوي في الدول العربية.
6- تهيئة بيئة إعلامية آمنة وواعية بقيم تراثنا العربي وأهميته في تشكيل وعي الإنسانية.
7- تعميم مادة «الثقافة الإسلامية» التي استحدثها الأزهر؛ لتدرس بالمعاهد والمدارس بالدول الأعضاء بالجامعة.
8- دعوة المجتمع إلى أخذ العلم من منابعه، وخاصَّةً الفتاوى، ويمكن أن تحذوَ المؤسسات الدينية الرسمية في الدول العربية حَذْوَ الأزهرِ في مسألة «تقنين الفتوى».
9- العمل على صَوْن التراث العربي المخطوط من خلال تصويره ورقمنته إلكترونيًّا؛ ليكونَ لدى جامعة الدول العربية نسخةٌ منه على الأقل.
10- تفعيل عمل اللجنة الدولية للحفاظ على التراث التاريخي والإنساني.
11-مخاطبة الجهات المعنية بالتعليم في الدول العربية للعمل على تنظيم زياراتٍ تبادُليّة للشباب؛ للتعريف بأهمية التراث في الوطن العربي.
12- تنظيم دورات تدريبية في مجال التراث وحمايته والحفاظ عليه.
13- عرْض توصيات المؤتمر على الاحتفال بيوم التراث الثقافي العربي المقرر عقْدُه يوم 27 فبراير 2018، بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
14- دعوة العالَم إلى الاستجابة لقرار “اليونسكو” الأخير الخاصّ بالتأكيد بأن القدس عربية، عاصمة دولة فلسطين، ورفض التهديدات الأخيرة للاعتراف بها كعاصمة للمحتلّ.