يقولون: “أفضل وقت للبَدء من جديد في عمل الخير هو «الآن».”؛ لٰكن دعوني أقول إن أفضل وقت للبَدء في “أي عمل” هو “الآن”. نحن نملِك “الآن” بين أيدينا، ولا نملِك “ما مضى” ولا يمكننا تغييره. وأيضًا لا نستطيع ادعاء أننا نملك “القادم”. كل ما نستطيعه أن نخطط له هو “الآن”: حاضرنا. لذٰلك لا تدَع اليوم ينسَلّ من بين يديك، دون أن تحقق ما ترغب في إنجازه، وكما يقولون في الغرب: “إن الأوان لم يفُت بعد” أي إنك تستطيع البَدء في عمل ما تتمناه “الآن”، وهو ما يعطيك الحافز ويَشحَذ عزيمتك من أجل المضيّ قُدمًا فيما تود أن تحققه.
ومن الممكن أن يتساءل أحد: ما الذي يمكن أن أبدأه الآن؟ على مستوى الجسد والنفس، بما تحمله من ملكات ذهنية وقدرات، يمكنك أن تبدأ دراسة ما يَزيد من قدر معلوماتك لتحقق مزيدًا من المعرفة ومن ثَم النجاح في عملك، أو في مجال آخر ترغب في محاولة تحقيق إنجاز به ويختلف عن دراستك أو ما تقوم به. يمكنك أن تبدأ الآن في اكتشاف مواهبك، إن لم تكُن قد اكتشفتها بعد، وفي تنميتها. يعتقد بعضهم أن المواهب لا تظهر في الأعمار الكبيرة، لكن لا سن محدَّدة تذوب فيها مواهب الإنسان، بل تظل المواهب كامنة في أعماق من يمتلكها، إلى أن يتمكن من اكتشافها. وعلى سبيل المثال: ظهرت موهبة الشعر عند “النابغة الذُّبيانيّ” في سن الأربعين، ما جعل قومه يطلقون عليه اسم “النابغة”. كما طرحت الكاتبة التشيليّة الشهيرة “إيزابل أليندي” روايتها الأولى “بيت الأرواح” في عمر يناهز الأربعين.
وفنانون كثيرون اكتشفوا مواهبهم وهم في سن متقدمة: منهم الفنان الهولنديّ “ڤينست ڤان جوخ” الذي تُعد بعض أعماله من أشهر القطع الفنية وأغلاها في العالم بأسره. كان “جوخ” انطوائيًّا بسبب معاناته بعض الأمراض النفسية والعقلية، فكانت أول أعماله الناجحة “آكلو البطاطا” وهو في الثالثة والثلاثين؛ ولم يتوقف عند ذٰلك الحد، بل رغِب في تنمية موهبته في الرسم من خلال اكتساب الأفكار واكتشاف أساليب الفن الحديثة فغادر “هولندا” إلى “باريس”. تُوفي “ڤان جوخ” في السابعة والثلاثين، وهو تارك أكثر من ألفي لوحة من رسمه!!! وقد ذُكر فيه أنه لم يكُن رسامًا جيدًا بالمرة إلا في آخر عامين له من حياته!!!
عزيزي: لا تتوقف عند سنوات عمر ما، فإنه دائمًا “الوقت لم يتأخر بعد”، ويمكنك أن تبدأ “الآن”، فكثير من الذين نجحوا في الطريق لم تكُن أعمارهم عائقًا لهم قط.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ