تحدثنا في المقالة السابقة عن “العمل معًا” بصفته أحد أسرار نجاح أيّ عمل. أما الشق الثاني فهو “الإرهاب”، الذي انتشرت موجاته في العالم بدرجة تكاد تدفع بالبشرية إلى نفق مظلم، في تحدٍّ صارخ لجميع القيم والأعراف الإنسانية والدينية التي ترتفع بقيمة الإنسان وكرامته، وهو أمر يُوجِب على الجميع أن يتكاتفوا للتصدي له والقضاء عليه. هٰذا الإرهاب وُضعت جذوره في أفكار سلبية نحو معنى الحياة وأحقيتها للآخرين من جانب، ورفض الآخر من جانب آخر، ما أدى ببعضهم إلى استحلال سفك الدماء من دون ذنب أو جرم ارتُكب؛ لتمتلئ أيامنا بنزف دماء لا يتوقف.
والإرهاب خطر لا يحمل في طِياته إلا معالم الدمار: دمار إنسانيّ يسلُب معالم الإنسانية، ودمار للوطن الذي فيه يقول الإمام “مُحمد عبده”: “فإذا تنافرت الطوائف، تشاغلت كل منها بما يحُطّ شأن الأخرى؛ فكانت كل مساعيهم ضررًا على أوطانهم.”، ودمار للتعاليم الدينية، التي لم تسعَ يومًا إلا لمد يد السلام للبشرية، في رفض لجميع أساليب التعصب والإرهاب؛ فقد حضت على الأديان إلى فضائل سامية:
ـ فقد دعت إلى “المحبة” و”التسامح” و”الأخوّة” حيث يقول “الكتاب”: “أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ”، وفي “القرآن”: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾؛
ـ وحثت على “السلام” حيث يذكر “الكتاب”: “طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ”، ويقدم “القرآن” السلام اسمًا من أسماء الله: ﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ﴾؛
ـ وطالبت بـ”الرحمة” و”الإحسان”، فيقول الكتاب: “لاَ تدَعِ الرَّحْمَةَ وَالْحَقَّ يَتْرُكَانِكَ”، وفي “القرآن”: ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً﴾؛
ـ أمّا عن “العدل”، فيذكر “الكتاب”: “اُقْضُوا قَضَاءَ الْحَقِّ، وَاعْمَلُوا إِحْسَانًا وَرَحْمَةً”. وينص “القرآن”: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾.
ـ أيضًا “حرية الاعتقاد” التي هي عَلاقة شخصية بين الإنسان والله ـ تبارك اسمه، وهو من يُسأل عنها من الله صاحب حق السؤال وحده، فيقول “الكتاب”: “قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ”، وفي “القرآن”: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، ﴿وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾؛
ـ أمّا عن “قتل النفس”، فيقول “الكتاب”: “لاَ تَقْتُلْ.”، و”في القرآن”: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.
إن البناء الذي نبتغيه لَيظل مرهونًا بـ”العمل معًا”: على إقرار السلام الذي بات هدفًا منشودًا في العالم بأسره، وعلى نزع فتيل الإرهاب.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ