قبل أيام قليلة، احتفل إخوتنا المسلمون ببَدء السنة الهجرية 1441هـ. وغدًا، يحتفل المَسيحيُّون ببَدء السنة القبطية الجديدة 1735، الذى يُطلق عليه «عيد النيروز». نهنئ المِصريِّين جميعًا بحلول العامين الجديدين، مصلين إلى الله من أجل أن يعم الخير والرخاء والسلام بلادنا «مِصر» والعالم بأسره.
بَدء السنة القبطية
يرتبط بَدء السنة القبطية بشهداء «مِصر» المَسيحيِّين الذين سُفكت دماؤهم فى عصر الإمبراطورية الرومانية الوثنية التى كانت «مِصر» تَرزَح تحت حكمها قرونًا جاءت أقسى عصور الاضطهاد فيها: ويطلق عليها «حلقات الاضطهاد العشْر»؛ حيث بدأت مع الإمبراطور «نيرون»، ثم تصاعدت، واشتدت حتى ذُروتها التى كانت فى عصر الإمبراطورين «دِقْلِدْيانوس» و«مَكْسِميانوس» عندما شنّا هجومًا عنيفًا على «المَسيحية» بجميع أرجاء الإمبراطورية.
وعلى الرغم من أن الاضطهادات قد شملت الإمبراطورية، فإن عذابات مَسيحيِّى الشرق كانت أعنف وأشد من تلك التى كانت بالغرب؛ إذ كان الشرق تحت حكم «جالِريوس» و«مَكْسِميانوس» اللذين كانا يكُنان عداوة شديدة نحو المَسيحيِّين. وقد حمَلت «مِصر» بالأخص تاريخًا مميزًا وسجلاً حافلاً بتلك الأحداث الدموية عن سائر مقاطعات الإمبراطورية الأخرى؛ إذ قُدر عدد شهداء الأقباط فقط بقُرابة ثمانى مائة ألف شخص! ومما ذُكر بشأنهم فى ذٰلك العصر: «لو أن شهداء العالم كلِه وُضعوا فى كِفة ميزان، وشهداء مِصر فى الكِفة الأخرى، لرجَحت كِفة المِصريِّين!». كان الوُلاة الرومان فى «مِصر» يُشتَهرون بالقساوة الشديدة مع شراسة التعذيب! ويذكر منهم التاريخ «أريانوس» والى أَنْصِنا و«أرمانيوس» والى الإسكندرية. وعندما كان حكام البُلدان الأخرى يرغبون فى تعذيب المَسيحيِّين تعذيبًا أشد، كانوا يُرسلونهم إلى «مِصر»! وقد ذكر «المقريزى» فى أمر «دقلديانوس»: «وأسرف جدًّا فى قتل «النصارى»، وهو آخر من عبد الأصنام من ملوك الروم». وقد اتخذت «الكنيسة القبطية الأرثوذكسية» بداية حكم ذٰلك الطاغية عام 284م بَدءًا لتقويمها القبطى المعروف بـ«تقويم الشهداء».
معنى «نَيروز»
وكلمة «نَيروز» المِصرية جاءت من الكلمة القبطية «نِى يارُؤو»، وتعنى «الأنهار»، إذ يكتمل موسم فيضان النيل فى «مِصر»، ثم تحورت اللفظة إلى «نيروس» فى الحِقبة اليونانية، ومنها صارت «نَيروز»، إذ اعتُقد أنها ترتبط بالعيد الفارسىّ. إلا أن بعض المصادر تذكر أن كلمة «نَيروز» تُعد اختصارًا لعبارة «نِيارُو إسمو رُوؤو» القبطية التى تعنى «سبِّحوا وبارِكوا» والتى يُقصد به مبارَكة الأنهار، ليُصبح عيد «النيروز» هو «عيد مبارَكة الأنهار».
أيضًا وردت كلمة «نَيروز» لدى «الفُرس» بمعنى «اليوم الجديد»؛ حيث يرتبط «عيد النيروز الفارسى» بـ«عيد الربيع» عندهم فيحتفلون به فى الحادى والعشرين من مارس.
مع بَدء عام جديد
مع بدء عام جديد، نتذكر أولٰئك الذين قدموا حياتهم من أجل الحفاظ على إيمانهم ومعتقداتهم إلى النفس الأخير؛ مقدمين لنا أمثلةً فى الشجاعة والوداعة اللتين كانتا لا تتجزآن من حياتهم؛ فعلى سبيل المثال نقرأ ما كتبته الكتيبة الطِّيبية إلى الإمبراطور بعد أمر بقتلهم جميعًاـ وكان عددهم 6666 جنديًّا: «أيها القيصر العظيم، إننا جُنودك، لٰكن فى الوقت نفسه: «عبيد الله»… لسنا ثُوارًا؛ فالأسلحة لدينا وبها نستطيع أن ندافع عن أنفسنا، ونعصاك، لٰكننا نفضل أن نموت أبرياء على أن نعيش ملوَّثين…».
أيضًا مع بَدء عام جديد، ونحن شاعرون أن الأعوام آخذة فى المضى من حياتنا عامًا تلو آخر، نحتاج إلى التقاط الأنفاس والتريث قليلاً فى طريق الحياة، متأملين قليلاً أعوامنا السابقة، وما حققناه فيها من أهداف، وما لم نتمكن بعدُ من تحقيقه؛ لتكون حقًّا بداية جديدة لعام جديد.
كل عام وجميعكم بخير وسلام. و… والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى