احتفلنا أمس بذكرى رحيل بابا العرب «البابا شنودة الثالث» السابع عشَر بعد المئة فى بطاركة الكرسيّ المَرقسيّ، الذى سكن الوطن فى قلبه منذ أن بدأ نبضه حتى يوم أن توقف ذٰلك النبض عن الحياة. وكنا قد تحدثنا فى المقالة السابقة عن محبة «البابا كيرِلُّس السادس» وأبوته ومواقفه الوطنية فى فترة عصيبة من التاريخ المِصريّ. واليوم، نستكمل الحديث عن أيقونة جديدة للمحبة الوطنية التى غُرست فى الوجدان المِصريّ الذى تُعد «الكنيسة القبطية الأرثوذكسية» جزءًا لا ينفصل عنه؛ إنها المحبة التى تجلت وتلألأت فى حياة مثلث الرحمات «البابا شنودة الثالث».
«البابا شنودة الثالث»
لقد قدمت وطنية «البابا شنودة الثالث» شعارًا للمِصريين جميعًا عندما قال: (إن «مِصر» ليست وطنًا نعيش فيه، لٰكنه وطن يعيش فينا)؛ ليتحول إلى نبض حياة فى قلوب جميع أبنائها سواء من يعيشون على أرضها أو فى أيّ بلد من المسكونة؛ إذ يحملون بلادهم فى أعماقهم، ويعملون بكل إخلاص من أجل خيرها. أمّا عن «البابا شنودة الثالث» ومحبته لـ«مِصر» فهى أنشودة نبضت فى مسيرة حياته؛ تجلت فى شعره عندما أنشد قصيدته: (جعلتُكِ يا «مِصر» فى مُهجتى وأهواكِ يا «مِصر» عُمق الهوى)؛ وفى أقواله عندما قال: (نحن مِصريُّون، كل نقطة دم فى جسدنا تؤمن بـ«مِصر» وبالمواطنة المِصرية). كذٰلك عبّر عن محبته بقوله: («مِصر» هى بلدنا، وهى أُمّنا، وكل ما يَمَسّها يَمَسّنا). إلا أنه فى رحلة حياته، تجلت مواقفه الوطنية لتسبق كلماته فنراها واضحة بارزة شهِد لها الجميع فلقبوه بـ«البابا الوطنيّ». وفى ذكرى رحيله، دعونى أصحبكم فى رحلة نعبر ونعبّر بها على أهم المَِحطات البارزة فى مواقفه الوطنية.
امتلأ قلب «البابا شنودة» فى وقت مبكر، وهو لم يتخطَّ السابعة عشْرة بعد، بمحبة «مِصر» والمِصريِّين، وخصوصًا عمالها فكتب نشيدًا وطنيًّا لعمال «مِصر» فى عيدهم وكان ذٰلك عام 1940م. وتعمقت تلك المشاعر الجياشة نحو الوطن فخدم «مِصر» ضابطًا احتياطيًّا فى «سلاح المُشاة» سنة 1947م، وكثيرًا ما كان يتحدث عن القيم التى انطبعت فى شخصه فى تلك المرحلة مثل النظام والانضباط والدقة والصلابة؛ وعندما سئل قداسته فى إحدى زياراته لسوريا عام 2001م: «سمِعنا بأن قداستكم كنتم جنديًّا فى يوم ما. أجاب قداسته مبتسمًا: نعم كنت جنديًّا، ولا أزال جنديًّا فى جيش الأمة والوطن العربيّ الكبير».
وفى أثناء حَبرية «البابا كيرلس السادس» فى أثناء الأزمة التى مرت بـ«مِصر»، كان له دور وطنيّ عميق؛ فمن ملامح تلك الفترة الوطنية فى تاريخ «مِصر»: ما ألقته الكنيسة من محاضرات وندوات منها محاضرة «أنبا شنودة» أسقف التعليم والمعاهد الدينية آنذاك بعُِنوان «إسرائيل فى رأى المَسيحية»، فى نقابة الصحفيِّين يوم 26/6/1966م؛ ولا يُنسى أن الجماهير احتشدت لحضور تلك الندوة فى النقابات المجاورة و«شارع عبد الخاق ثروت» حتى ذُكر أن عددها كان قُرابة اثنَى عشَر ألفًا!! وقد قال عن تلك المحاضرة نقيب الصحفيِّين آنذاك أ. «حافظ محمود»: (سمِعت كثيرًا عن «إسرائيل» ومثل الليلة لم أسمع من قبل)!!
سار «البابا شنوده الثالث» على النهج الوطنيّ المتأصل فى الكنيسة القبطية، فرآه العالم وسْط أبناء «مِصر» وجيشها على جبهة القتال: عندما قام بعدة زيارات إليها قَبل حرب أكتوبر، حيث التقى قادةَ القوات المسلحة والضباط والجنود فى الخطوط الأمامية، معبّرًا عن تقدير المِصريِّين لهم ومساندته إياهم بقوة. وحين جاءت اللحظة الحاسمة فى السادس من أكتوبر 1973م، كان لقداسته وللكنيسة القبطية دور مِصريّ وطنيّ سجلته صفحات التاريخ: منه الدعم المعنويّ والسياسيّ لمُساندة الوطن الغالى وجيشه البَاسل فى حرب التحرير؛ فقام بتأليف لجنة إعلام خارجيّ تؤدى دورًا وطنيًّا فى تقوية جبهة «مِصر» أمام العالم، ودعم المجهود الحربيّ بجمع التبرعات لأجل المصابين وتقديم كل أنواع الدعم للجيش المِصريّ، وتوفير الأدوية والمساعدات الإنسانية.
كذٰلك قام قداسة البابا بزيارة جنود جرحى كثيرين فى المستشفيات يوم 22/10/1973م، وزيارة جبهة القتال يوم 24/3/1974م بعد انتهاء العمليات العسكرية. أيضًا شارك قداسته فى الجِلسة التاريخية لتكريم أبطال حرب أكتوبر بـ«مجلس الشعب» يوم 17/10/1973م، أمّا عن قلمه فحدِّث ولا حرج؛ لم يتوقف لمساندة الوطن أثناء حرب أكتوبر وأثرى ذاكرة التاريخ بعدد من المقالات الوطنية فى دعم الوطن والقوات المسلحة، منها: «إننا ندافع عن أراضينا»، و«دفاعًا عن الحق»، و«أرض سيناء مقبرة للإسرائيليِّين».
وهٰكذا صارت مواقف قداسته خير شاهد لمحبته ووطنيته فكتب أحدهم يقول: (إن موقف الراحل «البابا شنودة الثالث»ـ بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المَرقسية رأس الكنيسة الأعرق فى «الشرق الأوسط»ـ كان بطريقة غير مباشرة ضمن جنود المعركة الكبرى، فلم يقف صامتًا، ولم يكتفِ بالصلاة فى ظل الحرب، بل شارك بقلمه كجنديّ محارب، وذهب إلى ميادين المعركة ليؤازر الجنود المِصريِّين).
وعلى صفحات التاريخ تُخط محبة «البابا شنودة» لـ«مِصر» ومواقفه الوطنية على مدى رحلة حياته ومدة حَبريته التى تخطت أربعين عامًا، منعكسةً فى عدد من القضايا الوطنية والعربية كقضية «القدس»؛ ليَضحَى بحقّ «بابا العرب» جميعًا. و… وفى حب «مِصر الحلوة» الحديث لا ينتهى…!
احتفلنا أمس بذكرى رحيل بابا العرب «البابا شنودة الثالث» السابع عشَر بعد المئة فى بطاركة الكرسيّ المَرقسيّ، الذى سكن الوطن فى قلبه منذ أن بدأ نبضه حتى يوم أن توقف ذٰلك النبض عن الحياة. وكنا قد تحدثنا فى المقالة السابقة عن محبة «البابا كيرِلُّس السادس» وأبوته ومواقفه الوطنية فى فترة عصيبة من التاريخ المِصريّ. واليوم، نستكمل الحديث عن أيقونة جديدة للمحبة الوطنية التى غُرست فى الوجدان المِصريّ الذى تُعد «الكنيسة القبطية الأرثوذكسية» جزءًا لا ينفصل عنه؛ إنها المحبة التى تجلت وتلألأت فى حياة مثلث الرحمات «البابا شنودة الثالث».
«البابا شنودة الثالث»
لقد قدمت وطنية «البابا شنودة الثالث» شعارًا للمِصريين جميعًا عندما قال: (إن «مِصر» ليست وطنًا نعيش فيه، لٰكنه وطن يعيش فينا)؛ ليتحول إلى نبض حياة فى قلوب جميع أبنائها سواء من يعيشون على أرضها أو فى أيّ بلد من المسكونة؛ إذ يحملون بلادهم فى أعماقهم، ويعملون بكل إخلاص من أجل خيرها. أمّا عن «البابا شنودة الثالث» ومحبته لـ«مِصر» فهى أنشودة نبضت فى مسيرة حياته؛ تجلت فى شعره عندما أنشد قصيدته: (جعلتُكِ يا «مِصر» فى مُهجتى وأهواكِ يا «مِصر» عُمق الهوى)؛ وفى أقواله عندما قال: (نحن مِصريُّون، كل نقطة دم فى جسدنا تؤمن بـ«مِصر» وبالمواطنة المِصرية). كذٰلك عبّر عن محبته بقوله: («مِصر» هى بلدنا، وهى أُمّنا، وكل ما يَمَسّها يَمَسّنا). إلا أنه فى رحلة حياته، تجلت مواقفه الوطنية لتسبق كلماته فنراها واضحة بارزة شهِد لها الجميع فلقبوه بـ«البابا الوطنيّ». وفى ذكرى رحيله، دعونى أصحبكم فى رحلة نعبر ونعبّر بها على أهم المَِحطات البارزة فى مواقفه الوطنية.
امتلأ قلب «البابا شنودة» فى وقت مبكر، وهو لم يتخطَّ السابعة عشْرة بعد، بمحبة «مِصر» والمِصريِّين، وخصوصًا عمالها فكتب نشيدًا وطنيًّا لعمال «مِصر» فى عيدهم وكان ذٰلك عام 1940م. وتعمقت تلك المشاعر الجياشة نحو الوطن فخدم «مِصر» ضابطًا احتياطيًّا فى «سلاح المُشاة» سنة 1947م، وكثيرًا ما كان يتحدث عن القيم التى انطبعت فى شخصه فى تلك المرحلة مثل النظام والانضباط والدقة والصلابة؛ وعندما سئل قداسته فى إحدى زياراته لسوريا عام 2001م: «سمِعنا بأن قداستكم كنتم جنديًّا فى يوم ما. أجاب قداسته مبتسمًا: نعم كنت جنديًّا، ولا أزال جنديًّا فى جيش الأمة والوطن العربيّ الكبير».
وفى أثناء حَبرية «البابا كيرلس السادس» فى أثناء الأزمة التى مرت بـ«مِصر»، كان له دور وطنيّ عميق؛ فمن ملامح تلك الفترة الوطنية فى تاريخ «مِصر»: ما ألقته الكنيسة من محاضرات وندوات منها محاضرة «أنبا شنودة» أسقف التعليم والمعاهد الدينية آنذاك بعُِنوان «إسرائيل فى رأى المَسيحية»، فى نقابة الصحفيِّين يوم 26/6/1966م؛ ولا يُنسى أن الجماهير احتشدت لحضور تلك الندوة فى النقابات المجاورة و«شارع عبد الخاق ثروت» حتى ذُكر أن عددها كان قُرابة اثنَى عشَر ألفًا!! وقد قال عن تلك المحاضرة نقيب الصحفيِّين آنذاك أ. «حافظ محمود»: (سمِعت كثيرًا عن «إسرائيل» ومثل الليلة لم أسمع من قبل)!!
سار «البابا شنوده الثالث» على النهج الوطنيّ المتأصل فى الكنيسة القبطية، فرآه العالم وسْط أبناء «مِصر» وجيشها على جبهة القتال: عندما قام بعدة زيارات إليها قَبل حرب أكتوبر، حيث التقى قادةَ القوات المسلحة والضباط والجنود فى الخطوط الأمامية، معبّرًا عن تقدير المِصريِّين لهم ومساندته إياهم بقوة. وحين جاءت اللحظة الحاسمة فى السادس من أكتوبر 1973م، كان لقداسته وللكنيسة القبطية دور مِصريّ وطنيّ سجلته صفحات التاريخ: منه الدعم المعنويّ والسياسيّ لمُساندة الوطن الغالى وجيشه البَاسل فى حرب التحرير؛ فقام بتأليف لجنة إعلام خارجيّ تؤدى دورًا وطنيًّا فى تقوية جبهة «مِصر» أمام العالم، ودعم المجهود الحربيّ بجمع التبرعات لأجل المصابين وتقديم كل أنواع الدعم للجيش المِصريّ، وتوفير الأدوية والمساعدات الإنسانية.
كذٰلك قام قداسة البابا بزيارة جنود جرحى كثيرين فى المستشفيات يوم 22/10/1973م، وزيارة جبهة القتال يوم 24/3/1974م بعد انتهاء العمليات العسكرية. أيضًا شارك قداسته فى الجِلسة التاريخية لتكريم أبطال حرب أكتوبر بـ«مجلس الشعب» يوم 17/10/1973م، أمّا عن قلمه فحدِّث ولا حرج؛ لم يتوقف لمساندة الوطن أثناء حرب أكتوبر وأثرى ذاكرة التاريخ بعدد من المقالات الوطنية فى دعم الوطن والقوات المسلحة، منها: «إننا ندافع عن أراضينا»، و«دفاعًا عن الحق»، و«أرض سيناء مقبرة للإسرائيليِّين».
وهٰكذا صارت مواقف قداسته خير شاهد لمحبته ووطنيته فكتب أحدهم يقول: (إن موقف الراحل «البابا شنودة الثالث»ـ بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المَرقسية رأس الكنيسة الأعرق فى «الشرق الأوسط»ـ كان بطريقة غير مباشرة ضمن جنود المعركة الكبرى، فلم يقف صامتًا، ولم يكتفِ بالصلاة فى ظل الحرب، بل شارك بقلمه كجنديّ محارب، وذهب إلى ميادين المعركة ليؤازر الجنود المِصريِّين).
وعلى صفحات التاريخ تُخط محبة «البابا شنودة» لـ«مِصر» ومواقفه الوطنية على مدى رحلة حياته ومدة حَبريته التى تخطت أربعين عامًا، منعكسةً فى عدد من القضايا الوطنية والعربية كقضية «القدس»؛ ليَضحَى بحقّ «بابا العرب» جميعًا. و… وفى حب «مِصر الحلوة» الحديث لا ينتهى…!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطيّ الأرثوذكسى