تحدثنا فى مقالات سابقة عن الخليفة «مُحمد المهتدى بالله» الذى خلفه «المُعتمِد».
الخليفة «المُعتمِد على الله» (256- 279هـ) (780- 892م)
تولى «أحمد المُعتمِد على الله»- ابن الخليفة «المتوكِّل»- خلافة الدولة العباسية بعد القبض على «المهتدى» وخلعه، حيث كان «المُعتمِد» آنذاك حبيسًا، فاجتمع كبار رجال الدولة وأخرجوه من السجن وبايعوه الخلافة. وعندما وصل خبر خلافة «المُعتمِد» إلى القائد «موسى بن بُغا»، عاد إلى «سامَرّا» وقدم الولاء والطاعة للخليفة فأحبه وجعله وصيًّا على ابنه ولى عهده. ويذكر المؤرخون أن «المُعتمِد» كان ضعيف الشخصية يميل إلى حياة اللهو ما جعل أخاه «الموفَّق» يستأثر بحكم البلاد الفعلى: فكان الحكم شكليًّا لـ«المعتمد»، وواقعيًّا لـ«الموفَّق» فأدار البلاد إدارة حازمة، أعادت إلى الدولة العباسية بعضًا من قوتها: «وقد استردت الخلافة فى عهده شيئًا من رونقها السالف، ووقف الأتراك وقوادهم عند حدهم.. ولم يجرؤ الأتراك أن يمَسوا شخص الخليفة بسوء كما كانوا يفعلون فى العهود التى مضت». إلا أن أحوال الوزراء لم تستتبّ بسبب غضب كل من «المُعتمِد» و«الموفَّق» عليهم وفصلهم من وظائفهم مع مصادرة ما يمتلكون.
يمتلكون.
«العَلَويُّون»
فى عهد الخليفة «المُعتمِد»، تُوفِّى الإمام «حسن العسكرى»، وخلفه ابنه «مُحمد العسكرى»، الذى قيل إنه خرج للبحث عن أبيه فدخل سردابًا قرب منزله ولم يخرج منه، فحزِن عليه العَلَويُّون حزنًا شديدًا ولقبوه بـ«المنتظَر» من أجل انتظارهم عودته، وأضحت الأعياد والمواسم موعدًا لتجمعهم عند السرداب، يناشدون فيها إمامهم العودة إليهم، ويُذكر أن تلك اللقاءات استمرت حتى القرن الرابع عشَر الميلادى.
ثورات
كانت «ثورة الزنوج» من الثوْرات التى قامت على العباسيِّين بشدة، فقد ادعى رجل فارسىّ أنه من نسل الخليفة «على بن أبى طالب»، وبدأ فى نشر دعوته، فعظُم شأنه، وزاد أنصاره فى «البصرة» حتى قاومه حاكمها فهرب مختفيًا إلى «بغداد» ثم عاد إليها بعد عزل الحاكم. وبمرور الأيام ازداد عدد تابعيه، وبالأخص العبيد الذين وعدهم بالحرية، فأعلن العصيان على الدولة العباسية. أرسل الخليفة القوات لردعه ولكنه هُزم، فجال الزنوج فى البلاد ينهبون ثرواتها حتى تمكنوا من الاستيلاء على «البصرة»، فأعمل على قتل أهلها وإحراق بناياتها وسبّب ذعرًا شديدًا.
طلب الخليفة إلى أخيه «الموفَّق» كسر شوكة الثائرين، وبخاصة بعد استيلائهم على «الأهواز» و«واسط» وكثير من المقاطعات. وهكذا بدأت حرب بين الدولة العباسية و«الزنوج»، والتى استمرت قرابة عشرة أعوام، إلى أن تمكن «الموفق» من الانتصار بعد جَهد كبير انتهى بمقتل زعيمهم بعد رفضه الخضوع للخليفة. وكانت مدة تلك الثورة من بدئها حتى نهايتها ما يربو على أربعة عشر عامًا. أمّا الشرق فقد شهِد قيام «الدولة اليزيدية» فى «طبرستان» و«جُرْجان»، فى حين قامت «الدولة الصَّفّارية» فى «خُراسان»: تُنسب تلك الدولة إلى «يعقوب بن الليث الصَّفّار» وأخيه «عمرو»، استولى «يعقوب» على خراسان وبلاد المشرق ثم كتب إلى الخليفة يعلمه بأمره، فلم يجد الأمر استحسانًا لدى «الموفَّق»، فأرسل أمرًا إلى «يعقوب» بترك «خُراسان» فرفض، لٰكن «المُعتمد» رأى أن يسلك بالسِّلم معه، خاصة بعد انتصاره على اليزيديين. وازدادت مطامع «يعقوب» فى السيطرة على البلاد، فاندلعت الحرب بينه وبين جيش الخليفة الذى انتصر بقيادة «الموفَّق»، فعاد «يعقوب» إلى «فارس» حيث مات وهو رافض الولاء للعباسيين، وتولى الأمر من بعده أخوه الذى أرسل إلى الخليفة يُعلن طاعته فولّاه «خُراسان» و«أصفهان» و«سجستان» و«السند» و«كِرمان». أمّا عن «مِصر» فى ذلك العصر، فكانت تحت حكم «أحمد بن طولون»، الذى كانت تربطه عَلاقات طيبة بـ«المُعتمِد»، ولكنها لم تكُن كذلك بـ«الموفق». وقد حاول «المُعتمِد» أن ينقل عاصمة الخلافة إلى «القاهرة»، ولكن منعه «الموفَّق». وقد زادت حدة الخلاف بين «ابن طولون» و«الموفَّق» حتى تُوفِّى «ابن طولون». و… والحديث عن «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.
الأسقف العام، رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى