تحدثنا فى المقالة السابقة عن «البابا قزمان الثالث»- الثامن والخمسين فى بطاركة الإسكندرية- الذى كانت فى أيامه واقعة «الحبشة»؛ وذكرنا أن الخليفة «أبا منصور مُحمد القاهر» (٣٢٠-٣٢٢هـ) (٩٣٢-٩٤٣م) قد اعتلى العرش بعد وفاة أخيه الخليفة «المقتدر»، بعد اجتماع رأى كبار الدولة على اختياره بدلاً من ابن «المقتدر»؛ فآلت إليه الخلافة واستقرت له الأمور، ولُقب بـ«القاهر بالله».
أمّا ولاية «مِصر» بعد موت «عيسى النوشرى» عام ٢٩٧هـ (٩٠٩م)، فقد تولى حكمها «تكين بن عبد الله الحربى».
«تكين بن عبدالله» (٢٩٧- ٣٠٢هـ) (٩٠٩-٩١٥م)
هو أمير «مِصر» المتولى حكمها هى و«دمَِشق» بأمر من «المقتدر». كان مهيبـًا جبارًا، وظل يحكم «مِصر» حتى تعرضت لهجمات من الأعراب التابعين «للمهدى عبيدالله الفاطمى» الذى استولى على بلاد «المغرب»؛ فأعد جيوشه لمحاربتهم فى «برقة»، ولكنه تعرض لهزيمة نكراء فاتجه جيش الأعداء نحو «الإسكندرية»؛ فأرسل «تكين» إلى الخليفة يطلب إليه إرسال مدد فبعث إليه مددًا من القوات.
خرج «تكين» بصحبته الجيشان نحو «الإسكندرية» حيث التقى جيش «المهديّ»، ودارت رحى معركة كبيرة شرسة قُتلت فيها آلاف من الجانبين حتى انتهت بهزيمة جيش «المهدى» وإرغامه على الرحيل من «مِصر» و«برقة» والتراجع إلى «المغرب».
وعاد «تكين» بقواته، ووصل «مؤنس» قائد قوات المدد إلى «مِصر» ونزل بها بجيشه؛ ويُذكر أن المِصريِّين قد لاقَوا منهم كثيرًا من الشدائد فى ذلك الوقت. ثم عُزل «تكين» بعد ذلك بقليل عن حكم «مِصر» عام ٣٠٢هـ (٩١٥م) بعد أن دام حكمه خمس سنوات وبضعة أيام. وكان فى أيامه أن تفشى وباء عظيم فى «بغداد» والبادية أمات كثيرين حتى إنهم كانوا يسقطون صرعى على الطريق! وأيضًا ذكر «ابن التَّغرى» أنه فى السنة الثالثة من حكم «تكين»: «وقعت قطعة عظيمة من جبل لبنان فى البحر، وتناثرت النجوم فى جمادى الآخرة تناثرًا عجيبـًا وكله إلى ناحية المشرق». أقام «مؤنس» بـ«مِصر» إلى أن ولى الخليفة «المقتدر» حاكمًا لها هو «ذكا الرومي».
ذكا الرومى (٣٠٣- 307هـ) (٩١٥- 919م)
هو الأمير أبو الحسن (ذكا) الرومى الذى تولى إدارة شُؤون «مِصر» عام ٣٠٣هـ (٩١٥م) بعد عزل «تكين». وكان بعد قدومه إلى «مِصر» أن رجع «مؤنس» بجيوشه بعد أن أرسل إليه الخليفة بالعودة إلى «بغداد» لرد من خرج عن طاعته وبأن يصطحب معه كبار القوات فى «مِصر» فأطاع أمره.
وفى عام ٣٠٤هـ (٩١٦م) خرج «ذكا» إلى الإسكندرية، وبعد عودته منها وصل إلى مسامعه أن من المِصريِّين من يكاتب «المهدى»؛ فتتبع تلك الأمور، وقبض على بعضهم وسجنهم. كذلك أمر بترحيل أهل «لوبية» و«مراقية» من مصر إلى الإسكندرية، وكانت الأمور بينه وبين جنده والشعب مضطربة؛ وبينما هم فى تلك المشاحنات، دخلت جنود المهدى الإسكندرية عام ٣٠٧هـ (٩١٩م)؛ فهربت جحافل كبيرة من مِصر إلى الشام، لكن فى أثناء فِرارهم مات معظمهم فى البحر والبر.
وقد قام «ذكا» بتجهيز الجيش للتصدى للمعتدين، معسكِرًا بـ«الجيزة»، حيث حفر خندقًا؛ وبينما هو يستعد للحرب فاجأه مرض، ومات. وكان حكمه أربع سنوات وشهرًا. ثم تولى «تكين الحربى» شُؤون «مِصر» مرةً ثانيةً.
«تكين بن عبدالله» (٣٠٧- 309هـ) (٩١٩- 921م) – الولاية الثانية
كانت لـ«تكين» ولاية ثانية على مِصر بأمر من الخليفة المقتدر، بعد موت ذكا الرومى؛ فتحرك من بغداد إلى مِصر، وكان المقتدر قد أرسل جيشًا لنجدة «ذكا» فوصل الجيش إلى مِصر قبل تكين الذى ما إن وصل مِصر حتى خرج بالجيوش جميعها إلى الجيزة، وحفر بها خندقًا ثانيـًا، وأقبلت جيوش المهدى وتقاتل الجيشان فى معركة شديدة حتى هُزمت جنود المهدى و… والحديث عن «مِصر الحُلوة» لا ينتهى!