أيام قليلة تقربنا من ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة التي أظهرت أمام العالم أبطال “جيش مِصر” الذين لا يهابون موتًا، وخلدت أنشودة الحب الذي طالما ملأ قلب كل مِصريّ تجاه بلده “مِصر”. تلك الحرب التي قالت فيها مجلة نيويورك الأمريكية يوم ١٩٧٣/١٠/١١: “«حرب أكتوبر» كانت الوحيدة بين أربع حروب بين «العرب» و«إسرائيل» التي تفوَّق فيها المِصريون على الإسرائيليين؛ كان عبور «قناة السويس» جريئًا وعبقريًّا: بإذابة السواتر الرملية الدفاعية العملاقة بخراطيم المياه العالية الضغط، وبإقامة الجسور العائمة،وبعبور (جنود)«الكوماندوز» القناة في زوارق مطاطية مكشوفة”. نعم، لقد أظهرت تلك الحرب عبقرية تخطت فكر العالم وتوقعاته، حين تمكن الجيش المِصريّ من تحقيق واحدة من أصعب المعادلات في تاريخ الحروب؛ فها هو “خط بارليف” المنيع الذي لا يُقهر يتحدى العقول المِصرية : فكيف يمكن تخطي الساتر الترابي الذي يبدأ من قناة السويس حتى عمق ١٢ كيلومترًا داخل شبه جزيرة “سيناء” على امتداد الضفة الشرقية بطول المواجهة للقناة، ويرتفع ٢٠-٢٢ مترًا، بانحدار٤٥ درجة، ويحتوي على ٢٠ نقطة حصينة بكل منها 15 جنديًّا، ومصاطب ثابتة للدبابات للقصف حالات الطوارئ، وقاعدته أنابيب تصب في “قناة السويس” لإشعال سطحها بـ”النابالم” فور حدوث أي محاولة مِصرية لعبورها، مع٢٢ موقعًا دفاعيًّا و٢٦ نقطة حصينة تتكون من عدة طوابق تحت الأرض يمكنها تحمل القصف الجويّ وضرب المدفعية الثقيلة؟!!!
وقد أعلنت إسرائيل مرارًا وتَكرارًا أنه يستحيل عبور “خط بارليف” الذي تعُده أقوى من “خط ماچينو Ligne Maginot” الذي بناه الفرنسيون بعد الحرب العالمية الأولى، وأنه لا سبيل إلا موتكل من يحاول عبوره!!! كذلك ذكر خبراء عسكريونغربيون أنه خط لا يدمَّر إلا بقنبلة ذرية!!! وكانت المعادلة الصعبة كيفية تحطيمه وعبور القناة في أقل وقت ممكن وبأقل الخسائر المادية والبشرية!!!إذ كان يُعوِز فتح ثغرات في الساتر الترابيّ ١٢-١٥ ساعة، بخسائر بشرية قد تصل إلى ٢٠ ألف شهيد؟! ولم يقدِّمحلاًّ لتلك المعادلة في العالم بأسره إلا العقل المِصريّ بعبقريته وعزيمته وجُرأته: فها هو اللواء “باقي زكي يوسف” – رحمه الله – يطرح فكرته الفذة لهدم الساتر الترابيّ: مدفعًا مائيًّا يعمل بالمياه المضغوطة لإزالة أيّ عائق رمليّ أو ترابيّ، في زمن قصير، دون تكاليف باهظة أو خسائر بشرية!!!وقد كانت لتفتح الطريق إلى النصر.
وهٰكذا شهِد السادس من أكتوبر سنة ١٩٧٣ سقوط خط الوهم الإسرائيليّفي غضون ساعات معدودات!!! وعبر القناة ما يزيد على٣٠ ألف جنديّ مِصريّ في ٣ ساعات فقط!!! وفُتحت عدة ثغرات في الساتر الترابيّ بمضخات المياه لكي تمهد لعبور المُجَنزرات؛ وقالت وكالةUnited Press: “إن تخلي «إسرائيل» عن «خط بارليف» الحصين على الضفة الشرقية لـ«قناة السويس» يُعتبر أسوأ نكسة عسكرية أصيبت بها في تاريخها”، كما ذكرت مجلة “دير اشبيجلDer Spiegel: الألمانية: “إن اجتياح المِصريين «خط بارليف» جعل الأمة العربية بكاملها تنفض عن نفسها آثار المهانة التي تحملت آلامها منذ ١٩٦٧”. ولم يتوقف العطاء المِصريّ عند حد التفكير، بل تخطى إلى بذل النفس، ففي كتاب “التقصير” الذي ألفهسبعة من كبار الصحفيين الإسرائيليين ذكروا عن المقاتل المِصريّ بسالته: “لقد قاتل المِصريون بمشاهدانتحارية؛ خرجوا نحونا من مسافات أمتار قليلة، وسددوا مدافعهم الخفيفة المضادة للدبابات على دباباتنا، ولم يخشَوا شيئًا!! كانوا يتدحرجون بعد كل قذيفة بين العجلات فعلاً، ويستترون تحت شجيرات علي جانب الطريق، ويعمرون مدافعهم بطلقات جديدة!!! وعلى الرغم من إصابة عدد كبير من جنود «الكوماندز» المِصريين فإن زملاءهم لم يهرُبوا، بل استمروا في خوض معركة تعطيلية، معركة انتحارية ضد الدبابات، كما لو أنهم صمموا على دفع حياتهم ثمنًا لمنع الدبابات من المرور!!! واضطُر جنود المدرعات إلى خوض معركة معهم، وهم يطلقون النار من رشاشاتهم من فوق الدبابات. وحقيقةً، لم يحدث لنا من قبل، في أيّ الحروب التي نشِبت مع المِصريين، مواجهة جنود علي هذا النسق من البسالة والصمود”.
أهنئكم جميعًا بالذكرى الحادية والخمسين لانتصارات أكتوبر المجيدة؛ وكل عام وجميع المِصريين بخير، داعين الله أن يبارك بلادنا الحبيبة “مِصر”، ويحفظ أبطالها وشعبها الأبيّ، ويصون ربوعها من كل شر.و… والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسي