يقولون: “إن سر الحياة يكمُن في الأمانة والعدل”. نعم، فالحياة التي تغيب الأمانة عمن يحيا فيها تصير دربًا من دروب التِّيه، يتخبط السائر فيها ويَضِل الطريق. فأمانة الإنسان هي نور يسترشد به في الحياة، كما أنها كَنز نادر لمن يمتلكه، وأولي خَُطواته نحو الحكمة.
ولُغويًّا “الأمانة” اسم، جمْعه “الأمانات”، والأمانة ـ بحسب تعريف مُعجَم المعاني الجامع هي: نزاهة، صدق، إخلاص، ثبات علي العهد، وفاء. ومضادها “خيانة الأمانة” التي يعني: تصرُّف الشخص فيما ليس له من مال أو غيره، اؤتُمن عليه. وفي المُعجَم الوسيط، نجد “الأمانة” تعني الوفاء. والشخص الأمين هو من يحفظ الود والعهد ويسلك بِالاستقامة، والصدقِ.
وتُعد الأمانة من الفضائل الأساسية والبارزة التي تحُث الأديان جميعًا علي اكتسابها وممارستها، فهي صفة من صفات الله جل جلاله، يقول الكتاب: “لأجْل الرب الذي هو أمين..”، وأيضًا يقول عن الله: “القدوس الأمين”. وعن أعماله ووصاياه يقول: إن كل “أعمال يديه أمانة وحق. كل وصاياه أمينة.” وأمانة الله كلية، وغير محدودة، وثابتة لا تتغير ولا تتبدل بتبدل الإنسان وأعماله: “إن كنا غير أمناء فهو يبقي أمينًا، لن يقدِر أن يُنكر نفسَه.”
وفي الإسلام، نجد في سورة النساء حث الإنسان علي أن يكون أمينًا في حياته: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُم أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَي أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ« كما نجد أنها علامة من العلامات التي تدل علي صلاح الإنسان وإيمانه، ففي الحديث: “لا إيمانَ لِمَن لا أمانةَ لَه، ولا دِينَ لِمَن لا عَهدَ لَه” وتتعدد أنواع الأمانة في حياة الإنسان؛ فهناك علي سبيل المثال الأمانة في: القَول، والعمل، والوفاء بالوعود، والحفاظ علي أسرار الغير. والإنسان الأمين يكون أمينًا مع الله، ومع نفسه، ومع الآخرين.
وتبرُز أمانة الإنسان مع الله في حفظه وصايا الله وتعاليمه، ورفضه عمل الشر. ويُعد “يوسُِف الصِّديق” من أبرز أمثلة الأمانة وأوضحها. وقد ظهرت أمانته نحو الله وأيضًا الآخرين حين رفض أن يفعل الشر ويخطئ مع امرأة سيده: “وحدثَ بعدَ هذه الأُمورِِ أن امرأةَ سَيِّدِه رَفَعَت عَينَيها إلي يوسُِفَ وقالَت: »اضطجِعْ معي« فأبَي وقالَ لامرأةِ سيدِه: هوَذا سَيِّدي لا يعرِفُ معي ما في البيتِ، وكُلُّ ما لَه قد دَفَعَه إلي يدِي. ليس هو في ه?ذا البَيتِ أعظمَ مني. ولم يُمسِكْ عني شيئًا غيرَكِ، لأنكِ امرأتُه. فكيف أصنعُ هذا الشرَّ العظيمَ وأُخطِئُ إلي اللهِ ؟! لقد رفض “يوسُِف الصديق” أن يكون خائنًا لوصايا الله ويفعل الشر، وفي الوقت نفسه رفض خيانة سيده الذي استأمنه:
علي بيته، وامرأته، وكل ما يملِك. وقد احتمل الظلم والألم لأجل أمانته هذه، إذ أُلقي به في السجن بسبب وِشاية امرأة سيده به، ولكنّ الله الذي يري عمل كل إنسان ويجازيه بحسبه، رفع “يوسُِف” لأجل أمانته ليصير رئيسًا
ومدبرًا علي مِصر كلها، وليس هذا فقط، بل منقذًا للعالم بأسره من مجاعة هائلة!
والإنسان الأمين هو أمين أيضًا تجاه نفسه ؛ فهو يعرِف نقائصه وعيوبه ويحاول إصلاحها بكل جِد وإخلاص، دون تقديم المبررات والأسباب الواهية محاولًا خداع نفسه أو من حوله. كذلك فهو يعرف مواهبه وقدراته التي وهبها الله له ليقوم بصقلها، والتدرب عليها واستخدامها في حياته لفائدة نفسه، ولخدمة الآخرين. وهو أيضًا يهتم بعدم الإضرار بصحته وجسده من خلال عدم ممارسة العادات المضرة التي تتسبب في إهلاك بدنه؛ مثل: التدخين، والإدمان، وغيرهما
أمّا عن مجالات الأمانة نحو الآخرين فهي تتعدد؛ فالأمين نجده صادقًا، ووفيًّا ، وللحديث بقية ……………..