تحدثنا في المقالة السابقة عن أمانة الإنسان في كلماته، وأقواله ، ووعوده ونستكمل اليوم الحديث عن أمانة الإنسان نحو الآخرين في تقديمه النصيحة الصادقة لهم التي تساعدهم علي تجنب مخاطر الطريق والنمو في حياتهم. إن الكلمات الصادقة الأمينة، وفي الوقت نفسه غير الجارحة ، أفضل تعبير عن طبيعة الإنسان الخيرة التي تظهر فيها محبته لله صانع كل خير، كما هي تعبر عن محبته لأخيه الإنسان. والإنسان الأمين في كلماته يكون أمينًا تجاه الجميع؛ لأن صدقه ينبَُِع من داخله لا من المواقف أو الأشخاص؛ فهو “فعل” لا “رد فعل”. يقولون: “كُن أمينًا مع الأمناء، وكُن أيضًا أمينًا مع غير الأمناء؛ وحينئذ يمكن الأمانة أن تنتشر بين البشر. ولكنْ يجب أن تكون واثقًا بصحة ما تقدمه. يقول تشرشل: “من الجيد أن تكون أمينًا، ولكن من المهم أيضًا أن تكون علي حق.”. الأمانة يمكنها أن تكون تحذيرًا من طريق يسلكه أحد ويقوده إلي الحزن والشقاء. يقول
الحكيم: ”توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت”. وأود أن أؤكد أن التحذير يجب ألا يكون
جارحًا، إنما بحكمة، وفي الوقت نفسه يهدُف إلي الخَير. وفي هذا تحضرني قصة شاب كان يحب صديقه ويقلده في جميع أموره من ملبس وكلمات وأفعال. إلا أن صديقه هذا كان سيئًا؛ فكان الجميع يحذر الشاب لمحاكاته سلوك صديقه، وهو لا يستجيب. حتي قرر أبوه، وكان شخصًا حكيمًا، أن يتحدث إليه ليحذره. سأل الأب ابنه: أيمكنك أن تري نفسك أفضل من خلال مرآة مكسورة أم صحيحة؟ أجاب: بالطبع في مرآة صحيحة. قال الأب: ولِمَ لا تنظر إلي المكسورة؟ أوضح الشاب قائلًا: لأن المرآة المكسورة لن أري من خلالها صورة حقيقية أو صحيحة عن نفسي، بل تضللني. وهنا قال الأب: هكذا أيضًا صديقك، يجب أن يكون مثل المرآة السليمة؛ يساعدك حين تخطيء أو تبتعد عن الطريق المستقيم. أمّا إن كان مثل المرآة المكسورة ستُخدع وتضل الطريق. وهكذا الإنسان الحكيم المحب الأمين؛ يقدم كلمات صادقة تُنقذ من يُسرع بخطاه ضالًّا الطريق، ودون أن يجرحه.
أيضًا يكون الإنسان أمينًا عندما يُعلن الحق، وإعلان الحق لا يعني جرح أحد؛ فالأمانة والصدق لا يعنيان أن تجول بين البشر تجرح بكلماتك من تلقاه باسم الأمانة؛ فلا أحد يخلو من العيوب. وأذكر “ملابس الإمبراطور” إحدي روائع كاتب الأطفال “هانز كريستيان آندرسون”، التي فيها رسم لنا صورة أحد الأباطرة وقد اشتُهر بمحبته الشديدة لارتداء الملابس الجميلة والجديدة. فأتي إليه يومًا رجلان يطلبان مقابلته، وعرضا عليه أن يصنعا له ملابس من نسيج سحريّ لا يراه سوي الأذكياء فقط، أمّا من لا يستطيع رؤيته فهو أحمق لا يستحق منصبه! شعَر الإمبراطور بسعادة غامرة لارتدائه ثيابًا لا مثيل لها، وأيضًا سيكتشف استحقاق من يعمل لديه، ولم يُدرك أنهما إنما يخدعانه. مرت الأيام والمحتالان يتظاهران بالعمل، حتي أرسل الإمبراطور وزيره الأمين ليتابع صنع الثياب. إلا أن الوزير تحيَّر جدًا؛ فهو لا يري شيئًا، ولكنه لا يستطيع أن يبوح بهذا لئلا يُتهم بالغباء. فقرر الوزير أن يخبر الإمبراطور بأن العمل يمضي قُدمًا وأنه أروع نسيج رآه. وهكذا فعل كل من أرسلهم الإمبراطور لمتابعة العمل، حتي ذهب الإمبراطور يومًا ليشاهد النسيج حديث كل من رآه، وذُهل عندما لم يرَ شيئًا. وتساءل في نفسه: أأنا غبيّ وغير جدير بمنصبي؛ فإنني لا أري شيئًا؟! وقرر هو أيضًا ألا يتحدث. وأخيرًا أخبر المحتالان الإمبراطور بانتهاء صنع الرداء، ليخرج عاريًا في موكب كبير يجول المدينة ليشاهد الجميع الرداء السحريّ!! ومع أنهم يرَون الإمبراطور بلا ملابس، إلا أن أحدًا لم يستطِع إعلان الحقيقة لئلا يصير أحمقًا غير جدير بمركزه. إلي أن شاهده طفل صغير، فقال: أبي ! إن الإمبراطور لا يرتدي شيئًا . وهنا انتبه الجميع إلي الحقيقة ، ليهمِس كل منهم : الإمبراطور عارٍ، الإمبراطور لا يرتدي شيئًا.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ