ربما لا يغير كرم الأخلاق في حياة الآخرين فقط بل في حياة الشخص نفسه الكريم الخلق، فمن يسير علي الدرب واضعًا نُصْب عينيه أن يسلك بكرم مع من حوله بكل ما يملك، حتمًا لن ينسي الله عمله ومحبته.
تقول القصة: كانت العواصف والأعاصير والثلوج تشق طريقها إلي الأرض بكل شدة وعنف؛ حتي إنك تعتقد أن المكان من حولك يتزلزل، وأن الكون سينتهي في لحظة!! وفي هذا الجو الصاخب، بدا شبحان يحاولان شق طريقهما بصعوبة بالغة إلي فندق المدينة الصغير؛ فالأحوال الجوية لا تسمح لهما بمواصلة السفر بالسيارة في هذه الليلة المروِّعة. وقف الرجل وزوجته لا يُدركان ما يمكنهما عمله بعد أن صدمهما رد موظف الاستقبال بالفندق، بأنه لا غرفة شاغرة بالمرة هذه الليلة والفندق “كامل العدد”. وفي يأس سأل الزوجان: هل هناك حل يمكنك به مساعدتنا؟ فأجاب الشاب: نعم، سأتصل لكم الآن بالفنادق الأخري بالمدينة، علَّنا نجد مكانًا.
ظل الموظف في جهوده واتصالاته للعثور علي مكان لهذين الزوجين في هذا الجو القاتل، ولكنْ باءت كل محاولاته بالفشل؛ إذ كانت تتكرر عبارة واحدة فقط: “كامل العدد”! ارتسم الأسف علي وجهي الزوجين، وشعَرا بالإحباط يهُزهما بعنف. وبينما هما يَهِمّان بحمل متعلقاتهما الشخصية للانصراف، استوقفهما موظف الاستقبال قائلا: سيدي، هل تسمحان وتقبلان قضاء الليلة في غرفتي الخاصة؟! فأنا يمكنني أن أبقي هنا في الاستقبال حتي الغد أو بعد الغد، ولكن لا أستطيع أن أقبل أن تخرجا ولا مأوي لكما في المدينة في هذه الليلة العاصفة، ما رأيكما؟!
تردد الزوجان لحظة، إلا أن الشاب أسرع بتقديم مِفتاح حجرته إليهما، طالبًا من العامل نقل الحقائب إليها. وفي صباح اليوم التالي، كان المُناخ قد اعتدل. وقُبيل انصراف الزوجين، شكر الزوج موظف الاستقبال وقال له: أيها الشاب، نشكر لك صنيعك معنا، وأعتقد أنه لا يكفي أبدًا أن تعمل موظف استقبال هنا، بل يجب أن تمتلك وتدير أفضل الفنادق وأفخمهما في العالم بأَسره، سأسافر الآن وسأبني لك هذا الفندق! ومضت السنوات ونسِيَ الشاب تلك الليلة بأحداثها. حتي جاء صباح أحد الأيام، عندما تلقي رسالة من الرجل الغريب ومعها تذكرة طيران ودعوة إلي نيويورك. وعند وصوله الي نيويورك، أخذه الرجل إلي أرقي شوارع نيويورك، ودخل به إلي مبنًي ضخم لم يشاهد له مثيلا من قبل، ودخل به إلي إحدي الغرف التي كُتب علي بابها “المدير العام”. وفي الغرفة، وجد أمامه مكتبًا وُضعت عليه لافتة رائعة منقوش عليها اسمه وأسفله “المدير العام”! ذُهل الشاب وسأل عما يحدث. فأجاب الرجل: إنه الفندق الذي وعدتك به! لقد أعطيتني يومًا ما غرفتك الخاصة، لذا بنيتُ لك فندقًا ـ هو الأجمل والأرقي ـ لتقوم بإدارته. كان الضيف الغريب هو الملياردير الشهير “وليم والدروف استوريا” من قام ببناء فندق “والدروف استوريا”، والشاب هو “چورچ س. بولت” الذي قدم غرفته الخاصة إلي الضيف الغريب وزوجته.
إن كريم الخلق ينال هو أيضًا من دماثة خلقه وكرمه، حتي إن التقي في الحياة مع من يستغلونه أو لا يُقدرون صنيعه، فعمله محفوظ له وسيُرَدّ له حتمًا ـ إن كان خيرًا أو شرًا. ومن يُعطي بكرم فقطعًا سيجد المقابل، فالله لا يُضيع أجر إنسان.
في أثناء عمل أحد الفلاحين البسطاء في حقله في اسكتلندا، سمِع صوت صرخات صبي بدأ يغوص في أحد المستنقعات. وبسرعة تدخل الفلاح وأنقذ الصبي. وفي اليوم التالي، وجد الفلاح أمام بيته سيارة فاخرة نزل منها والد هذا الطفل الذي أنقذه الفلاح. أراد الرجل النبيل مكافأة الشخص الذي أنقذ حياة ابنه، إلا أن الفلاح رفض قبول أي شيء ثمنًا لكرم أخلاقه. ففي تلك اللحظة … وللحديث بقية …
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ