انتهينا في المقالة السابقة من الحديث عن الكرم، وأن للإنسان دوراً عظيماً في التخفيف من آلام البشر بكرمه وعطائه علي تنوعهما…….
واليوم أتحدث عن «الكلمة الطيبة» وتأثيرها في حياة البشر، فللكلمة الطيبة آثار قد تغير مصائر بشر. يقولون: «الكلمات الرقيقة لا تكلف كثيراً، إلا أنها تحقق كثيراً».. فالكلمة الطيبة تسعد القلوب، وتزرع فيها البهجة والإقبال علي الحياة، فإذا نظرنا إلي ذواتنا، اكتشفنا أن الكلمات الطيبة الرقيقة في كثير من الأحيان تسعدنا، حتي إننا لا نستطيع التعبير أو شرح ما يتملكنا من السرور والارتياح عند سماعها وسط هموم ومشكلات الحياة اليومية.
في ليلة من ليالي الشتاء القارسة، وبينما الأمطار تتساقط بشدة، حتي أن الناس كانوا يسرعون محتمين بستراتهم ومظلاتهم، كان يقف أحد الرجال دون حركة بملابسه القديمة المهلهلة التي بالكاد تستر جسده، وإن كانت لم تمنع عنه الأمطار المنهمرة والبرد القارس. وقف شارد الذهن، تلمح دموعاً تنسال خلسة من عينيه وكأنها تحاول تدفئة وجهه خشية تجمده. وفي تلك الأثناء، مر به أحد الأشخاص فنظر إليه باحتقار، وسأله: ألا تملك يا رجل ملابس أفضل من هذه؟! ثم وضع يده في حافظة نقوده ليقدم إليه بعض المال بكل تكبر، وقال: هاك بعض المال لك! أجاب الفقير بهدوء: أشكرك، لا أريد مالاً، اذهب إلي حال سبيلك فقط. ذهب الرجل وهو يحدث نفسه عن جنون هذا الفقير الذي يرفض المال.
ظل الرجل جالساً تحت الأمطار إلي أن توقفت، ثم ذهب إلي أحد الفنادق المجاورة، وما أن رآه موظف الاستقبال يقترب حتي أسرع يقول له: لا يمكنك الجلوس هنا، ولا يمكنك التسول كذلك!! أرجو أن تغادر الفندق حالاً!! نظر إليه الفقير نظرة حزن وغضب، ثم أخرج من جيبه مفتاحاً يحمل رقم أكبر الأجنحة وأفضلها في الفندق المطلة علي النهر !! وبينما يستكمل الرجل مسيره نحو المصعد، نظر إلي موظف الاستقبال الذي وقف مذهولاً لا يكاد يصدق نفسه، قائلاً: سأغادر بعد نصف ساعة، وأريد أن تجهز لي سيارتي “الرولز رايس” …… شعر موظف الاستقبال بأنه يكاد يفقد عقله، فالشخص الذي يخاطبه تكاد تستره ملابس تبدو بالية أكثر من تلك التي يرتديها جامعو القمامة!!! ذهب الرجل إلي جناحه، وخرج بعد نصف الساعة مرتدياً ملابس فاخرة. وبينما يركب سيارته، تحدث إلي موظف الاستقبال الذي مازالت الحيرة تأخذه! وسأله: أليس التسول ممنوعاً هنا؟ أجاب الموظف بارتباك: نعم، سيدي. فقال له: ترتبون الناس حسب ما يملكون من مال، فسبحان من بدَّل سلوكك معي في دقائق. ثم أضاف: في كل شتاء أحاول تجربة شعور الفقراء! فأغادر بملابس قديمة وقت انهمار الأمطار كالمشردين، كي أشعر بمعاناتهم! وإليك نصيحتي : إذا لم تستطع مساعدة الفقراء، فلا تحتقرهم، وقل مجرد كلمة طيبة لتفرحهم، إنها صدقة.
لذا حاول أيها القارئ العزيز أن تشعر بمدي احتياجك إلي الكلمات الرقيقة اللطيفة الطيبة وسط آلام يومك ومتاعبه، وحينئذ تستطيع تقديمها إلي كل من تلقاه فتساعد في رسم ابتسامة علي الوجوه، ومحو الدموع والآلام داخل القلوب، فالكتاب يقول: “كما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم” ومن أجمل الكلمات التي قرأتها عن الكلمة الطيبة: »الكلمات الطيبة هي الموسيقي الجميلة في هذا العالم، لديها قوة تتخطي الطبيعة، وكأنها ترنيمة ينشدها بعض من الملائكة الذين قدموا إلي الأرض، ليرنموا للقلوب الحزينة في هذا العالم، ويجعلونا بقولها مثل الملائكة«. عزيزي الإنسان لا تضع فرصة واحدة يمكنك أن تقدم من خلالها كلمات طيبة لمن حولك، لأنها ستهديهم للأمل والإشراق، إنها كالشمس المشرقة من وراء ضباب العالم الكثيف، والنسمات الرقيقة التي تزيح عن كاهل المتعبين حرارة طريق أيامنا!! وللحديث بقية……..
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ