تحدثنا في المقالة السابقة عن تأثير الكلمة الطيبة المشجع والمؤثر في حياة البشر فيغيِّر تمامًا من حياة كثيرين. ذات يوم التقت الريح والشمس. وبعد تحية الشمس لها، قالت الريح: لم تعرف الطبيعة أقوي مِنا، فالرياح لا شيء أقوي منها. أجابت الشمس: أعرف أن الناس تخاف صوتكِ القويّ، لكنني أُضيء الكَون بنوري، وأُرسل الدفءفي كل مكان. ضحِكت الريح من كلام الشمس، عندما مر رجل بالطريق يرتدي عباءة صوفية ثقيلة؛ وقالت للشمس متحدية : من تستطيع منا أن تنزِع عباءة هذا الرجل أسرع من الأخري تكون هي الأقوي. قبِلت الشمس التحدي، وقالت : ابدئي أنتِ. وبالفعل هبت الريح بشدة وعصَفت بكل قوتها مهاجمة الرجل بعنف كي تخلَع عباءته، ولكن دون فائدة ؛ فمع كل اشتداد للريح يتمسك الرجل بعباءته بقوة أكثر!! وبعد محاولات عديدة، قالت الريح يائسة : لقد تعِبتُ، سأتوقف عن المحاولة، والآن جاء دوركِ أيتها الشمس. أرسلت الشمس أشعتها الدافئة شيئًا فشيئًا في هدوء تام، وسَُِرعان ما شعَر الرجل بالدفء والحرارة فنزَع العباءة وسار في الطريق. فقالت الشمس : أعرفت أيتها الريح من هو الأقوي؟ إن الكلمات الطيبة أكثر تأثيرًا في البشر من كل كلمات الشدة والعنف؛ فبكلمة طيبة يمكن التأثير في شخصيات قد حار كثيرون في تغيير سلوكها العنيف. بالكلمات الطيبة واللِّين نستطيع تحقيق ما لا يستطيعه العنف والقوة.
إن شعاعها يمكنه أن يجعل الإنسان يخلَع عباءة القسوة التي يرتديها؛ ففي داخل كل إنسان احتياج إلي أن يشعر بمحبة من حوله تجاهه، وأن يستمع إلي كلمات لطيفة بسيطة تُزيل عنه ألم رحلة الحياة. كان الأطفال الثلاثة وليَم وتوماس وإيلين يلعبون معًا في حديقة منزلهم. ومر هِنْري ليجدهم يستمتعون باللعب فقرر الانضمام إليهم دون دعوة. كان هِنْري يتصرف بطريقة غير مهذبة في لَِعِْبه وتعاملاته ويَسعَد بمضايقة من حوله ! وما أن رآه وليَم حتي أسرع إليه يطلب منه المغادرة بطريقة قاسية. إلا أن هِنْري بدأ في اللَِّعِْب ولم يلتفت إلي كلمات وليَم الذي طلب رحيله ثلاث مرات. كانت الأم تتابع الموقف كله، وأشارت إلي ابنها بالحضور إليها. وما أن ذهب حتي قالت له إنها غير راضية عن الكلمات القاسية التي يستخدمها، ونصحته بأن يحاول استخدام كلمات طيبة. أجاب الصبيّ: إنها لن تفعل شيئًا معه، دعيه يذهب إلي منزله. إلا أن الأم أصرت أن يحاول ابنها مستخدمًا كلمات طيبة. شعَر وليَم أنه أخطأ بتحدثه في غضب إلي هِنْري. وبالفعل ذهب إليه يحمل ابتسامة وقال: هِنْري، إذا كنتَ تصطاد في النهر، وأتيتُ إليك وألقَيتُ حجارة في الماء إلي جَِوار صِنَارتك وأخَفتُ الأسماك، أكنتَ تحب هذا؟ أجاب: لا، لن أحبه. قال وليَم: أكان يُعدّ هذا تصرفًا جيدًا مني؟ أجاب هنري: لا وهكذا بكلمات لطيفة أوضح له أنهم يلعبون للاستمتاع معًا، في حين أتي هو يشُدهم ويدفعهم أرضًا!! فهل كان سيرضي بأن يحدث هذا معه ؟ فرد هِنْري بأنه ما كان ليقبله، ثم رحل. نظرت الأم إلي ابنها قائلة: ألم أقُل لك إن الكلمات الطيبة أكثر قوة من القاسية.
الكلمات الطيبة لا تؤثر في حياة الأطفال فقط بل في حياة الجميع. فبكلمات لطيفة رقيقة تغيرت حياة “توم جالسون” ـ الذي كان قاتلًا من أكثر المسجونين إجرامًا وممن يسببون المتاعب الكثيرة إلي شخص هادئ إيجابيّ ـ عندما التقته طفلته ليلة عيد الميلاد لتُهنئه بالعيد حاملة له هدية من أخيها الذي مات. .إن الكلمات الطيبة الصادقة تستطيع أن تغيِّر العالم من حولنا. تقول هِلِن كِلَر: إنني شخص واحد فقط، ولكنني ما زلتُ شخصًا. لا أستطيع أن أفعل كل شيء، ولكن ما زال هناك شيء يمكنني فعله، ولن أرفض القيام بشيء يمكنني عمله..
قارئي العزيز: هناك دائمًا شيء نستطيع تقديمه إلي الآخرين، شيء سيؤثر في حياتهم. لنقدم كلماتنا الطيبة دون توانٍ، ولنكُن لطفاء بعضنا نحو بعض، شفوقين. وللحديث بقية………
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ