إن الحديث عن الحياة هو حديث عن طريق نحو الأبدية. ولكى يستطيع الإنسان استكماله، يجب أن يملِك قوة المحبة فى أعماقه؛ فالمحبة هى أعظم القوى الخلاقة فى الحياة.
حين تنظر إلى إنسان يحب نفسه محبة حقيقية ولا يخدعها، حتمًا تجده يضع لها الأهداف الصحيحة ساعيًا نحوها بأساليب جادة وسليمة. كذٰلك تراه يعمل بكل طاقاته وإمكاناته لتحقيق تلك الأهداف. وهو أيضًا يطور من نفسه للوصول إلى مزيد من الإنجازات، ليتحرك نحو أعظم الأهداف، فيصبح سعيه ومحبته لا لنفسه، فقط، بل للآخرين أيضًا.
وحين نملِك قوة المحبة للآخرين، فهُنا تظهر قوة الإنسان الحقيقية التى يملِكها. فمحبة “إديسون” لوالدته جعلته يفكر ويحاول جاهدًا حتى استطاع اختراع المصباح الكهربائى. ومحبة “فلورنس نايتينجيل” جعلتها تطور مهنة التمريض، وتُنقذ من الموت حياة كثيرين من المرضى. وهى التى حثت “ألكسندر فلمنج” على البحث والسعى لإنقاذ المرضى والجرحى باكتشاف عقار “بِنِسِلين”. وأيضًا جعلت مخترع اللقاح لشلل الأطفال، “يوناس سولك”، يرفض تسجيل براءة اختراعه، فيخسِر مليارات الدولارات، ليكون دواؤه فى متناوَل أيدى الجميع، منقذًا ملايين من الأطفال. وشخصيات أخرى كثيرة، امتلكت محبة عميقة للآخرين كانت تجذبهم إلى السعى نحو تخفيف أحمالهم وأعبائهم. وكلما نجح الإنسان فى إسعاد شخص، شعَر بعمق السعادة الحقيقية، فيُسرع إلى رفع الحزن والألم عن كل من يلقاه أو يسمع عنه فى طريق الحياة؛ لتتحقق كلمات المقولة: “المحبة هى القوة القادرة على شفاء العالم”.
والمحبة تتضمن فى عمقها مساندتك للضعيف الذى لا يقوى على سير طريق الحياة بمفرده، وتفهمك للآخر ولِما يحمل من آلام وأتعاب. إنها سعيك لأن تَعضُد من لا يعرِف سبل الطريق بالمعرفة والفهم، أن تدرك أن الجميع بشر يحملون أتعابًا وآلامًا ويحتاجون إلى من يشاركهم؛ وقد تكون مشاركتك بابتسامة رقيقة يحتاج إليها إنسان، أو أن تستمع إلى متاعبه، أو تُسدى له نصيحة تساعده، أو تقدم إليه محبة يفتقدها. فالعالم الآن، يا عزيزى، يفتقر إلى المحبة الحقيقية التى يحتاج إليها كل إنسان. أو أن تُشعره بأن هناك من يقف إلى جواره، يجده حتمًا متى احتاج إلى يد تسنده. أو أن تشجع فى طريق من بدا له كأنه مفروش بالإحباطات. أتذكر قصةً قرأتُها عن أحد الأشخاص كانت تمر به ضائقة مالية. فحضر إليه أحد أصدقائه الأغنياء، وقدم إليه شيكًا دون تحديد المبلغ ليكتُب فيه مقدار ما يحتاج إليه من مال. سافر الشخص وجاهد حتى نجح فى عمله دون أن يصرِف هٰذا الشيك، وكان يقول: كلما نظرتُ إلى هٰذا الشيك، شعَرتُ بالمحبة والأمان، ما أشعرنى بقوة كانت تحركنى إلى مزيد من العمل والنجاح.
قدِّم، عزيزى القارئ، المحبة إلى الجميع؛ فهى سند حقيقى يساعدهم على دفع آلامهم وإحباطاتهم، والإسراع نحو النجاح. ومع نجاحهم، تكون أنت قد حققت أعظم نجاح ورسالة فى الحياة، وتكون “إنسانًا فى قلبك الله.”
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى