فى طريق الحياة يسير البشر وكل منهم يترك أثرًا لخَطواته فى الطريق؛ وقد يعتقد بعضٌ أن هناك كثيرين لم نسمع عنهم ، ولم يتركوا علامات يتبعها الآخرون، إلا أن كل من وُهب له الحياة يتأثر ويؤثِّر فى الآخرين، مع اختلاف درجات التأثير ومداه..
فهناك من يؤثِّر فى عائلته، وهناك من يتخطى تأثيره إلى المحيطين به، وآخرون تجد أصداء حياتهم تتوهج فى الإنسانية. نرى بعضًا يتبعون خُطوات فى الطريق، وغيرهم يصنعون الطريق. وفى جميع الحالات، ينبغى لكل إنسان أن يدرك أنه شخص مؤثِّر، فلا يوجد إنسان يقف فى حياته عند نقطة الصفر، فإما أن يتجه نحو الإيجاب، وإما نحو السلب؛ وبدرجات متفاوتة. ولذا ينبغى للإنسان أن يتوقف قليلاً ليرى إلى أين يتجه بحياته، وبمن يؤثِّر منهم، وبما يزرعه فى طريق الحياة، إذ حياة كل منا لن تكون إلا نتاج لما زرعه.
وحين ندقق فى أيقونة الحياة، ربما لا نجد إلا نماذج قليلة تأخذ مكانها فى المركز، وشخصيات أخرى تبتعد قليلاً. إلا أننا نجد كثيرين يقفون داخل دائرة الظل فى ذاكرة الإنسانية، لٰكن حياتهم كانت تلك الشمعة التى قدمت ضوءها إلى من صاروا أولٰئك العظماء المُحفِرون ذكراهم فى تاريخ العالم.
فعلى سبيل المثال: من منا يعرِف اسم والدة “توماس إديسون” أو معلومات كافية عن حياتها، أو زوجة أب محرر العبيد الرئيس الأمريكى “آبراهام لينكولن”؟ أو من توقف عند دَور والدة المؤلف الرسام الشاعر الإيرلندى “كريستى براون”؟ ومن يعرِف أسرة “الأم تريزا” التى تربت فى كنفها فتعلمت العطاء والحب للجميع، وقدمت رسالة أثَّرت فى العالم بأسره؟ من يرى الأنفس التى آزرت وتعِبت وعلَّمت الشهداء المحبة والعطاء حتى بذل الذات؟ كثيرًا ما نتحدث عن المعجزة “هيلين كيلر”، و”بيتهوڤن”، و”طٰه حسين”، وغيرهم من العظماء، ولا نَفِى من تعِبوا معهم وقدموا لهم المساندة والتشجيع فى مسيرة حياتهم، من والدِين أو أصدقاء أو معلمين، حقهم.
إن حقيقة الحياة أن جميع من فيها يزرعون ويؤثِّرون. وإن كان هناك بعضٌ قد صاروا علامات فى الطريق، فإن هناك من زرع فى أعماقهم الثقة والعمل والحب والإخلاص؛ فصاروا نورًا يشع للعالم؛ لذٰلك شئتَ أم أبَيت، أيها الإنسان، فرحلة حياتك هى غرس وقلع وبناء وهدم؛ فاغرس المحبة والثقة والأمانة والعمل، واقلع كل ما هو سلبيّ. لتمتد يدك ببناء كل ما هو إيجابيّ، ولْتهدِم ما تستطيع من السلبيات؛ فإن هٰكذا يصنع ويُصنع العظماء. وهٰذا هو ما ستقدم عنه حسابًا يومًا ما أمام من وهب لك أمانة الحياة، ليمكنك أن تؤثِّر فى العالم بأسره والإنسانية بما تقدمه.
وتذكَّر أنه حسبما تزرع تحصد:
إذا زرعتَ الأمانة، تحصُد الثقة.
إذا زرعتَ الحُب، تحصُد محبة البشر.
إذا زرعتَ التواضع، تحصُد الكرامة.
إذا زرعتَ العمل والاجتهاد، تحصُد النجاح.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى