يقول الكاتب الأديب الشاعر “جُبران خليل جُبران”: “كل ما يُوجِع النفوس الحساسة في هٰذا العالم هو سوء التفاهم.”، والواقع أن عدم فَهم الإنسان للآخرين في الحياة ينتج منه كثير من المشكلات كالخلافات الشخصية التي تتفاقم وتؤدي إلى قطيعة بين البشر، وأيضـًا تعسُّر العمل ومن ثَم قلة الإنتاج؛ لذٰلك، من الأمور الهامة التي تؤدي بالإنسان إلى تخطي كثير من العقبات، سواء على المستوى الإنسانيّ أو مجال العمل، أن يحاول فَهم الآخرين. قيل: “معظم الناس لا يستمع بهدف الفَهم، ولكن يستمع بهدف الرد.”! وهٰذا لا يعني إلا أن يصل الإنسان إلى طريق مغلق في التعاملات الإنسانية. فلكي تستطيع فَهم الآخرين يجب أن تكون مستمعـًا جيدًا لما يقولونه. وهدف استماعك أن تُدرِك وتفهم وتتفهم حقيقة ما يودون التعبير عنه، لا الاستماع لرد الحُجة بالحُجة. فعندما يكون هدف الإنسان أن يستمع ليقدم ردودًا أو نقدًا للآخر فقط، يكون قد افتقد التركيز في معرفة ما يريد الآخر التعبير عنه؛ وغالبـًا ما يتحول الحوار إلى مُشادة وشجار حيث يعتقد كل طرف أنها معركة يجب أن يخرج منها منتصرًا!! وفي حقيقة الأمر، إن ما يحدث هو أن كلا الطرفين خرج منهزمـًا إذ لم يجد أيّ منهما طريقـًا إنسانيـًّا مشتركـًا للتفاهم نتيجة عدم فَهم أحدهما للآخر. وهناك حقيقة يجب إدراكها أنه: حين يشعر الإنسان أن الآخر ضده فهٰذا لن يؤدي إلا إلى توقف فَهم كل منهما للآخر كاملًا. أيضـًا في محاولة فَهم الآخرين، علينا أن نُدرِك أن قدرة التعبير عن الأفكار والمشاعر ليست واحدة لدى الجميع، بل تختلف من شخص إلى آخر؛ فهناك من يُجيد استعمال التعبيرات وهناك من لا يستطيع، وكما يقولون: “كل حديث معرّض لسوء الفَهم؛ حتى الصمت قد يساء فَهمه!”. لذٰلك، حاول أن تتبين المعاني التي يقصد محدثك التعبير عنها، وساعده في إيصال فكرته من خلال استفسار، أو تكرار لِما فهِمتَه؛ فإن هٰذا يجعل الآخر يشعر بالحرية والإيجابية في التعبير بدقة عما يريد قوله، مما يساعد على التفاهم بين البشر. وإليك بعض الملاحظات: • إذا شعُرتَ أن أفكار الآخر أو تعبيراته بها بعض الغموض، فلا تتردد في طرح الأسئلة لاستيضاح الأمور. • تحقق من المعنى الذي وصلك من كلمات الآخرين؛ فربما تنطوي كلماته على معانٍ أخرى لم ترِِد إلى ذهنك؛ هٰذا يجنبك كثيرًا من المشكلات وسوء الفَهم. • كُن صبورًا في الاستماع إلى ما يقال إلى أن ينتهي الآخر من كلماته، في أحد الموضوعات أو نقطة ما، دون تسرع في الحكم على معاني الألفاظ والكلمات، فكما يقولون: “إن بعض القَول فن، فاجعل الإصغاء فنـًّا.” إن الإنصات إلى الآخر يمنحك الفرصة لأنْ تفهم ما يقصِده. • تذكر أن كثيرًا ما يصعُب التعبير عن الأفكار أو المشاعر بالكلمات. وفَهمك لإنسان يختلف عن معرفتك إياه، فربما تعرف إنسانـًا جيدًا وعلى معرفة وثيقة به، ولٰكنك لا تَفهمه في بعض المواقف، ربما لتعرضه لظروف لم تعرِفها بعد، أو ضغوط لا تُدركها … إلخ. لذٰلك، لا تتسرع في الحكم دون أن تتفهم السبب مما تعتقده تغيُّرًا في الآخرين. فإن أعظم مآسي البشر تكمُن في أنهم يرَون الأشياء ويفهمونها بحسب ما يريدون لها لا بحسب حقيقتها؛ لذٰلك لا يستطيعون فَهم الآخرين، وهٰكذا يعيش البشر كلٌّ على جزيرة منفصلة عن الأخرى في محاولة يائسة للتواصل والفهم!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ