يقولون: «اجعل الالتزام طريقًا نحو هدفك، تصل إلي حيث تسكن الإبداعات»
إن الالتزام هو أسلوب حياة يُبني داخل الفرد منذ صغره من خلال الكلمات والقُِدوة في المواقف؛ وهو لا يشتمل علي جانب واحد من الحياة، فلا نجده مرتبطًا بتنفيذ رغبة بعينها في مواقف خاصة أو مع أشخاص محددين في حين لا يظهر في أوقات أخري، بل الملتزم تغلب عليه هٰذه الصفة في جوانب حياته كافة.
ويُعد الالتزام من أهم الصفات التي يمكن للإنسان أن يتحلي بها، بل إنها تعني عند البعض معني الحياة إذ يتساءلون: «إذا أنكرتَ وتنصلتَ من جميع التزاماتك، فلماذا تكون حياتك؟»
والشخص الملتزم تجده ملتزمًا في وعوده، وكلماته، واتفاقاته التي يُبرمها مع الآخرين، كما تجده ملتزمًا في حياته نحو نفسه والآخرين.
قـصــة «الوعد المكسور» ….
قرأتُ قصة مشهورة من ألمانيا عن «الوعد المكسور»، يرويها أهل مدينة «هاميلين» لأطفالهم حتي يكونوا ملتزمين بكلماتهم ووعودهم. فقبل زمن بعيد هاجمت المدينة جيوش لا تُحصَي من الفئران، ولم يعُد فيها موضع لا تملؤه الفئران التي هاجمت الكلاب والقُطط والأطفال. واجتمع حاكم المدينة بجميع المسئولين فيها، ولٰكنهم لم يجدوا حلًّا للمشكلة. وفي تلك الأثناء، حضر إلي المدينة رجل غريب الشكل؛ إذ كان فارع الطول، مُجَعَّد الوجه، يلبس ثوبًا ملونًا، ويُمسك بمزمار عجيب. طلب الرجل لقاء الحاكم. وحين التقاه، سأله عن مكافأته حال إنقاذ المدينة من الفئران، فحدد الحاكم له مبلغًا ماليًّا كبيرًا. فرِح الزمّار، وانطلق في الطريق يعزف نغمات غريبة كان لها وقع السحر علي الفئران، التي تبعته فانطلق نحو النهر، وصعِد سفينة وأبحر بها والفئران تتبعه؛ كانت تتسابق لتصل إليه فتسقط في مياه النهر لتغرق جميعها.
وبعد غرق آخر فأر، عاد الزمّار ليحصل علي مكافأته من الحاكم، الذي بدأ يبرر عدم قدرة المدينة علي دفع المال المتفق عليه، ومنحه مبلغًا أقل، فرفض الزمار أن يأخذ مالًا أقل مما وعد به الحاكم. وما إن خرج من حضرة الحاكم، حتي أمسك بمزماره ليعزف موسيقي رائعة! جذبت إليه أطفال المدينة وساروا خلفه حتي وصلوا إلي «تل كوبن» حيث انشقت الأرض وابتلعتهم. طلب أهل المدينة أن يقدموا كل ما لديهم لاستعادة أطفالهم، إلا أن الزمار أجابهم: هٰذا هو ثمر عدم الوفاء بالوعد. وقيل إنه وُجد في أحد منازل المدينة القديمة جدًّا نقش علي الحائط يقول: إنه في يوليو 1284م، قاد زمّار 130 طفلًا إلي موضع ما قرب «تل كوبن»، ثم فُقدوا. ربما تكون القصة من صنع الخيال، إلا أن معناها العميق يكمُن في أن الإنسان غير الملتزم حتمًا سيخسِر أشياء لا يمكنه تعويضها يومًا ما، وأهمها الثقة والكرامة.
والإنسان الذي يحيا في حياته بالتزام، تجده أيضًا ملتزمًا نحو النظام العام في أيّ مكان يذهب إليه، فهو ملتزم بإشارات المرور، ولا يزاحم الآخرين في الشراء أو يدفع بهم لتخطيهم. وهو أيضًا ملتزم نحو البيئة التي يعيش فيها، فتجده يزرع شجرة هنا أو هناك، يمسك بورقة مهملة في يده رافضًا الإلقاء بها علي الأرض.
والملتزم تجده دقيقًا في مواعيده، مدركًا أهمية الوقت لديه وللآخرين؛ فهو يؤمن بالحكمة القائلة: «الالتزام بالمواعيد أدب الملوك.». لذا فهو يرفض إهدار وقته في أمور لا تَبني، مدركًا قيمة القول: «الرجل الذي يجرؤ علي تضييع ساعة واحدة من وقته لا يُدرك قيمة الحياة». وهو أيضًا يراعي وقت الآخرين، مدركًا التزاماتهم ومسئولياتهم في الحياة. وللحديث بقية…
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ