في هٰذه الآونة العصيبة التي تعيشها “مِصر”، ويترامى إلى أسماعنا ما يحدث على أرض “سيناء” من أحداث أصبحت تتخذ أسلوب الحروب، وكذٰلك في عديد من الأماكن في “الشرق الأوسط”، أجدني وقد توقفت كلماتي عن الاسترسال في كتابة مقالتي لهٰذا الأسبوع، لتُومِض في ذهني كلمتان: “الحرب والسلام”؛ ذٰلك الاسم الذي اختاره الكاتب الروسي الشهير “ليو توليستوي” لواحدة من أشهر الروايات العالمية وأكثرها قراءة في العالم، التي تدور أحداثها في بداية القرن التاسع عشَر مع دخول القائد الفرنسيّ “نابُليون بونابارت” إلى الأراضي الروسية, ووصوله إلى العاصمة “موسكو”، ثم تراجعه من روسيا وارتداده عنها بعد ما مر به من فشل بسبب بسالة القيصر الروسيّ، والجو القارس الذي يجتاح البلاد في الشتاء.
إن قصة الإنسان مع “الحرب والسلام” بدأت من القِدم حين تعدى الأخ على أخيه وقتله؛ فبدأت ثقافة القتل تدخل حياة الإنسان دون مراعاة لإنسانيته وحقه في الحياة. وهٰكذا بمرور الوقت، أصبحت البشرية تدور في فلك الصراع بين “الحرب” و”السلام”. ومع هٰذا الصراع أضاع الإنسان الهدف الحقيقيّ من وجوده، وضاعت معه السعادة المنشودة، إذ أصبحت آلام الفُرقة والدمار تجتاح أعماقه وتعصف بحياته؛ وهنا تمر بخاطري كلمات “توليستوي” على لسان “آنا بافلوفنا”: “كيف يَحسُن حال المرء … إن كان يتألم معنويـًّا؟” نعم،فهٰذا هو حال الحرب الألم: ألم الموت، وألم المعاناة، وألم ما تخلفه الحروب وقتالها من مآسٍ تقتُل في الإنسان إنسانيته.
إن “الحرب” و”السلام” طريقان يحمل كل منهما علامات للسائرين فيه؛ فمن يسعى في “طريق الحرب” فقد اختار: الكراهية، والبغضة، والعنف، والموت، والدمار، وسحق الإنسانية. أمّا السلام، فدائمـًا لا يثمر إلا: الحب، والحياة، والبناء، وإعلاء شأن البشر في مسيرة الحياة، والخير، والتعمير والبناء؛ تلك الأهداف السامية التي اختيرت من القلوب الساعية نحو أداء الدَّور المرسوم لها في الحياة من الله حين أوجدها.
وقد سأل “توليستوي” في روايته، وفي حياته عمومـًا، ذٰلك السؤال الذي يرتسم في ذهن كثيرين: “لماذا نعيش؟”. والحقيقة أن الإجابة تكمن في قوة إيمان الإنسان بقيمة الحياة الموهوبة له، وبدَوره الحقيقيّ فيها من ترسيخ لمبدأي الحب والسلام؛ هذين المبدأين اللذين تتفجر منهما كل طاقات الحياة والسعادة التي يحلُم بها البشر نحو العمل والتشييد محلِّقةً في سماء الإبداعات؛ لذا يقول الكتاب: “وأخذ الرب الإلٰه آدم ووضعه في جنة عَدْن ليعملها ويحفظها.”؛ وهنا يتردد في خاطري صدى كلمات المتنيح مثلث الرحمات البابا “شنوده الثالث”، في إجابته عن سؤال “لماذا نعيش؟”، حين قال: “أنت تعيش لكي تؤدي رسالة نحو نفسك، ورسالة نحو غيرك، لكي تتمتع بالله هنا، وتذوق وتنظر: ما أطيب الرب! وأيضـًا في حياتك تختبر إرادتك ومدى انجذابها نحو الخير والشر. فحياتك فترة اختبار تُثبت بها استحقاقك لملكوت السماء، وتتحد بها درجة حياتك في الأبدية. فعليك أن تُدرك رسالتك وتؤديها، وتكون سبب بركة للجيل الذي تعيش فيه. فبقدر ما تكون رسالتك قوية ونافعة، بقدر ما تكون حياتك ممجَّدة على الأرض وفي السماء.”.
وفي ختام المقالة، أقدم تعزياتي إلى جميع أسر شهدائنا من الجنود البواسل الذين يدافعون عن سلام بلادنا. ونصلي من أجل المصابين، ونصلي من أجل سلام بلادنا وشعبنا وجيشنا وقادتنا كما تعودنا في صلواتنا: “… الرئيس، والجند، والوُزراء، والجموع، وجيراننا، ومداخلنا، ومخارجنا، زَيِّنهم بكل سلام. يا ملك السلام، أعطِنا سلامك لأن كل شيء قد أعطيتنا.”. حفِظ الله “مِصر” وصانها من كل شر.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ