يُعد نمو الإنسان وتقدمه من أهم مبادئ الحياة؛ فكما يقولون: “إنك لا تنزل في النهر نفسه مرتين.”، إذ تتجدد مياهه. وهٰكذا أيضـًا حياة الإنسان تتغير وتتجدد وتنمو. لهٰذا، فإنني أتعجب كثيرًا لهؤلاء الذين لا يهتمون بالتقدم في حياتهم، ناظرين فيها بإحباط شديد، معتقدين أن أيام العمر لا تحمل إليهم إلا نهايات محتومة بالفشل، وأنهم لن يجنون من الحياة شيئـًا!! هؤلاء قد نسوا أن كل شخص عظيم في الحياة كان ذات يوم طفلاً ضعيفـًا يحتاج إلى آخر يشدد من أزره، وأن كل مدينة عظيمة كانت بضعة خطوط من قلم على خارطة، وأن كل نجاح أو إنجاز تحقق كان حُلمـًا في مخيلة إنسان سهِر عليه. ولذٰلك، لا تنظر فيما أنت عليه اليوم، فدائمـًا هناك مزيد لتحققه؛ يقولون: “ليس المهم هو من تكون اليوم، ولٰكن ما تخطط أن تكونه في الغد.”. فأحد مبادئ المهمة لحياتك، التي عليك بإدراكها وفَهمها بعمق، أن الحياة متغيرة ونامية، فبذرة اليوم يمكنك بالاهتمام والرعاية أن تجعلها شجرة الغد. فالحياة إيمان برسالة، وثقة بقدرة يهبها الله لمن: يؤدي رسالته بأمانة وإخلاص، مع عمل دؤوب لا يتزعزع أمام تيارات الحياة ومشكلاتها وأمواجها، بل يتقوى بجميع ما يمر به من صخور، مستندًا عليها، متسلقـًا قمم النجاح؛ وهٰكذا كان عظماؤها. أتعجب أيضـًا لهؤلاء الذين يُصْدرون أحكامهم على كل إنسان بمجرد النظر، أو من خلال مشاهدة موقف واحد له في الحياة، أو لقاء استمر دقائق معدودات! في حين إنهم لا يُدركون ما وراء الوقائع، أو ما يتعرض له ذٰلك الشخص من ضُغوط أو أحوال قد تحمل من القسوة والألم ما لا يستطيعون هم تحمله في حياتهم! وأتذكر قصة رمزية تحكي أن أحد الملوك أراد أن يعلم أبناءه عدم التسرع في الحكم؛ فطلب من أبنائه الأربعة أن يذهب كل منهم بمفرده إلى إحدى الأشجار البعيدة، ثم يأتي ليصف لأبيه وإخوته ما رآه. وبعد عودتهم جميعـًا، جمعهم الأب ليستمع إليهم عن رحلتهم: وصف الأول الشجرة بأنها كانت مكسوة بالبراعم الخضراء التي تمنح الأمل بأنها ستُثمر، والثاني قال إنها وجد الشجرة بهية جميلة ممتلئة بالأوراق والأزهار، أمّا الابن الثالث فذكر امتلاءها بالأثمار، وأمّا الأخير فتحدث في وصفه عن أنها كانت قبيحة من دون أوراق تزينها! هنا توقف الملك وأوضح لأبنائه أن كل منهم يصف الشجرة نفسها، ولٰكن في الفصول المختلفة التي مرت بها: فالأول رآها في شتائها، والثاني وصفها ربيعـًا، والثالث وصفها كأنها في الصيف، وأما الأخير فلم يرَ فيها إلا الخريف! لقد رأى كل منهم جانبـًا واحدًا فقط منها ما جعل حكم كل منهم غير دقيق. من أجل هٰذا، لا تُسرع بروحك إلى إطلاق الأحكام على من لا تعرفه جيدًا، فكما يقولون: “إن الظل لا يعكس دائمـًا الحقيقة.”. ويقولون أيضـًا: “لا تَحكم على الآخرين من أول مرة! فلا يوجد فارق بين لون المِلح ولون السكر، ولٰكن الفارق يظهر بعد التجرِبة”؛ وعَلاقات الإنسان بالآخرين لهي أكبر دليل على ذٰلك؛ فكم من أناس حكمتَ عليهم بالسوء، ومع الأيام اكتشفتَ خيرًا عميقـًا وحبـًّا كبيرًا في قلوبهم! وكم من أناس وثقت بهم وخذلوك! وتأتي نتائج هٰذه الأحكام السريعة عادة بالندم على من أطلق لها العِنان: فهو إما أنه ظلم إنسانـًا بسوء حكمه، وإما أنه ظلم نفسه بحسن ظنه فيمن لا يستحق! وتذكَّر: الحياة تحمل لك مثلما تحمله أنت لغيرك، فكما فعلتَ يُفعل بك، وما زرعتَه فإياه تحصُِد.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ