تحدثنا في مقالة سابقة عن المعرفة، وكيفية استخدام الإنسان لها فيجعلها تتجه نحو الخير أو الشر. كذٰلك أشرنا إلى عدو المعرفة الأول الذي هو “وهْم المعرفة”. وذكرنا أن على الإنسان أن يقدم ما لديه من معرفة بأمانة لئلا يتسبب في إهلاك أحد من البشر، أو نفسه.والمعرفة أيضـًا ترتبط: بالتواضع، والحكمة، والنجاح.
المعرفة والتواضع إن المعرفة التي تخلو من التواضع غالبـًا ما تضيع هباءً؛ فحين يفتقد الإنسان التواضع في حياته، يظن أنه يعلم كل شيء بذٰلك القليل الذي لديه من المعرفة؛ إذ ما يعلَمه الإنسان، وإن كثُر، فهو قليل، لأن ما لا يعلمه ما يزال كثيرًا جدًّا. أيضـًا بُعد الشخص عن التواضع يجعله يغلق على نفسه في معرفة أيّ أمر جديد؛ فيعيش ويسلُك في دائرة مغلقة من “وهم المعرفة”. ومن يعرف دون تواضع، يجد صعوبة في استخدام معرفته بأسلوب إيجابيّ يؤثِّر في الآخرين. وكما يقولون: “لا يكفي أن يكون لك عقل جيد، المهم هو أن تستخدمه جيدًا.” كذٰلك لا يكفي أن تكون لك معرفة، بل المعرفة الممزوجة بالتواضع؛ فما لا تعرفه سيبقى كثيرًا جدًا؛ وما هو لديك بالفعل يحتاج إلى تواضع، وحكمة.
المعرفة والحكمة تحتاج المعرفة إلى الحكمة؛ فكل أمر في الحياة يتم بدون امتلاء الإنسان من الحكمة يؤدي إلى نتائج غير طيبة، حتى إن قصد بها خيرًا. فليس كل ما يعرفه الإنسان يتحدث به إلى الآخرين؛ هناك ما تتحدث به فيُحدث الشقاقات والخلافات بين البشر؛ وهناك ما تمتنع عن ذكره فيؤدي إلى تدمير حياة آخرين. وحكمة الإنسان تساعده على تقييم الأمور والتدخل الحكيم. يقولون: “أَحزنُ جانب من جوانب الحياة هٰذه الأيام هو أن العلم يُجمع من المعرفة أسرع مما يجمعه المجتمع من الحكمة!”. إن سعي الإنسان نحو المعرفة، يجب أن يلازمه سعيـًا آخر نحو الحكمة. إن اكتساب المعرفة يتوقف على القراءة والتعلم، في حين تُكتسب الحكمة بالملاحظة. سُئل أحدهم: ممن تعلمتَ الحكمة؟ أجاب: من الجهلاء! فكلما رأيتُ عيبـًا تجنبتُه. أيضـًا إن كانت الكلمات هي الطريق نحو المعرفة، فالاستماع هو الطريق إلى الحكمة. فمن يستمع ويُنصت جيدًا، يتمكن من استيعاب الأمور وإدراكها بطريقة صحيحة، وكما يقصدها قائلها؛ فيستطيع أن يفكر ويزن الأمور ويقدم ما لديه من معرفة على نحو بنّاء يساعد الآخر. وهنا يمر بفكري الفارق بين كل من الطبيب المتميز وغيره من الأطباء: إنه السعي نحو مزيد من المعرفة، ومن الاستماع إلى كلمات ربما هي عابرة من المريض، فتغيّر تقديره للأمور، وتصل به إلى الطريق الملائم لعلاج هٰذا المريض. وهٰكذا في جميع مجالات الحياة: كلما استمع الإنسان أكثر، أدرك مزيدًا، واستخدم معرفته بأكثر إيجابية وفعّالية.
المعرفة والنجاح إن المعرفة تمنح الإنسان المعلومات اللازمة لنجاحه في الحياة؛ ولٰكنها تحتاج إلى إدراك وتفكير عميقين حتى يمكنه استخدامها سُلَّمـًا يرتفع به إلى النجاح. فالحياة تعلمنا أن هناك كثيرين يملِكون القدر نفسه من المعرفة، ولٰكنْ قليلون منهم من هم ناجحون ومتميزون؛ فالمعرفة مِفتاح يمكنك استخدامه ليفتح لك بابـًا إلى طريق النجاح، وذلك بقدرتك على استخدام ما لديك منها بفَهم صحيح وإدراك سليم لطبيعة الأمور. لذا فالنجاح يحتاج إلى فكر يعرِف، أو إلى معرفة يقودها فكر. وفي سَيرك نحو تحقيق النجاح، يحتاج الإنسان إلى معرفة نفسه، ومعرفة طبيعة الآخرين؛ فإدراكه لنفسه بطريقة واقعية يساعده على معرفة نقاط الضعف والقوة؛ فيقوّي الضعيف منها ويستخدم القويّ، وهٰكذا ينجح في الحياة. أيضـًا معرفة الإنسان لطبيعة الآخرين تمكّنه من العمل والتعاون بأقل قدر من الخلافات والاحتكاكات فينجح العمل.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ