تحدثنا في المقالة السابقة عن أول مقومات النجاح بأن الناجح يضع أهدافًا لحياته ويسعي لتحقيقها؛ فهي مهمة وضرورية لحث الإنسان في طريق النجاح الذي رسمه لحياته؛ فمن يعمل بلا هدف فهو لا يصل إلي أيّ شيء، وأن وضع الأهداف يجب أن يعيه ويتدرب عليه الإنسان من صغره. ثم تحدثنا عن خبرة أحد الآباء مع ابنيه عندما أراد منهما الاهتمام بدراستهما، وعرف منهما رغبتهما في اقتناء سيارة “فيراري”؛ فأخذهما لمشاهدتها وأمضَوا أمسية باتت حُلم حياتهما. وفي اليوم التالي اصطحبهما الأب إلي المكتبة العامة حيث أعدوا هناك ثلاث قوائم تحتوي علي: الوظائف الملائمة لتحقيق دخل يمَكّنهما من شراء السيارة، والمؤهلات المطلوبة للعمل في مثل هذه الوظائف، والجامعات والكليات التي تعطي تلك المؤهلات. وبعد عودتهما تحدث الأب إليهما موضحًا أن أولي الخَطوات ليصلا إلي تحقيق حُلمهما هو التفوق في دراستهما للحصول علي الدرجات المطلوبة للالتحاق بالجامعات المدونة لديهما. ثم تركهما مع كل ما دوَّناه معا.
ومن ذلك اليوم اهتم الابنان بدراستهما بطريقة غير عادية، وكان الأب يشجعهما من آن لآخر. ثم تفوقا في دراستهما، والتحقا بالجامعة التي يرغبانها ليبدآ عملهما في وظيفتين من الوظائف اختاراهما سابقًا؛ فأصبح أحدهما مديرًا لواحدة من كُبرَيات سلاسل المطاعم المشهورة، واشتغل الثاني بوظيفة مرموقة في إحدي الشركات الكبري في الشرق الأوسط؛ ليقتني كل منهما السيارة التي يحلُم بها.
من هنا نجد أن وضع الأهداف يجعل الإنسان يتحفز للعمل والتميز والتفوق؛ إذ يجد أمامه دائمًا هدفًا يَشحَذ عزيمته كلما شعر بتعثر في الطريق. إلا أنني أود أن أوجه الأنظار إلي أهمية توافق الأهداف الموضوعة أو مدي ملاءمتها لإمكانات الشخص. وما أعنيه يظهر في حياة “بول أورفيلا” صاحب محلات “كينكوز” التي اختيرت في دراسة لإحدي المجلات كأفضل مكان تعمل فيه في أمريكا مدة ثلاث سنوات متصلة.
بدأ “بول” حياته وهو يعاني من مرض “عُسر القراءة” أو “عمي الكلمات” مما سبب له مشكلات في القراءة
والكتابة. وقد عاني في سنوات دراسته الأولي حتي رسب في الصف الثاني الابتدائي مرتين؛ فبدأت رحلة العلاج والبحث عن مدرسة تقبله. ولكنه تقدم في الصفوف الدراسية من خلال بعض المساعدات التي قدمها إليه والداه وأصدقاؤهما؛ مثل كتابة الأبحاث المطلوبة وما شابه ذلك. وظل والداه يُشعرانه بأنه طفل عاديّ لديه بعض المشكلات، ولكنه ليس غبيًّا أو معاقًا ذهنيًّا. ثم ساعداه علي جلب المعرفة بعيدًا عن مرضه المؤثر في قراءته وكتابته. إلا أن “بول” كان عبقرية تِجارية؛ فقد تمكن من بَدء عمل تِجاريّ خاص به، توقع له الجميع عدم استمراريته طويل وفشله، لكنه أخلف الظنون ولاقي نجاحًا كبيرًا. لقد نجح عمله في أن يُدِرّ أكثر من مليارَي دولار أرباحًا سنويًّا، يعمل به آلاف الموظفين في أكثر من 1700 فرع في العالم!!! لم يكُن الطريق سهلًا لبول، إلا أن محبته للتجارة، وبالأكثر محبته لمن يعملون معه ولزبائنه، ساعدته علي النجاح.
فقد استأجر مكانًا صغيرًا جوار الجامعة لبيع مستلزمات الدراسة وتصوير النسخ الورقية للطلاب، مع بيع بعض أدوات الطباعة. وكانت له القدرة علي صنع الفرص لتجارته؛ فإدراكه لحاجات الطلاب إلي الأدوات الدراسية جعله يُرسِل بها إليهم في أماكنهم. هذا مكّنه في أعوام قليلة من افتتاح الفرع الرابع والعشرين من سلسلة محلاته في وِلاية “كاليفورنيا”. ما يزال “بول” لا يجيد القراءة، ولكنه يحب الاستماع إلي من يقرأ له. ومن كلماته التي تؤكد أهمية تركيز الإنسان في مواطن القوة فيه لا الضعف: “إن كنتَ لا تُجيد القراءة، انتقل إلي شيء آخر.” وللحديث بقية …..