تحدثنا في مقالات سابقة عن العواصف التي تجتاح حياة الإنسان لتدمرها، ومنها عواصف: الخوف، وعدم الثقة بالنفس، والغضب، واليأس. واليوم نتحدث عن عواصف “الألم”.
الألم هو مشاعر تجتاح حياة كل إنسان، وتتعدد وتتنوع أسبابه كما تتباين درجاته في حياة البشر. إلا أنه لا يوجد من استطاع الهُروب من الإحساس بالألم على الرغم من محاولات كثيرين تجنبه، كما ذكر “سيجموند فرويد”، الطبيب النمساويّ: “نحن نسعى لأن نتجنب الألم أكثر من سعينا لأن نجد السعادة”! لٰكن الألم يظل هو المعلِّم الأول في حياة الإنسان؛ ولذٰلك حين تجتاحك عواصفه، لا تدَعها تدمر حياتك، بل اصنع منها معلِّمـًا ودرسـًا في الحياة يساعدك أن تحياها بطريقة أفضل وأكثر سعادة. وأقدِّم بعض الاقتراحات قد تساعدك في اجتياز “عواصف الألم”.
• التفكير الإيجابيّ
لا تدَع التفكير السلبيّ يسيطر عليك حين تجتاح نفسك الآلام، ففي الاستسلام يتولد الحزن الذي يًعد أولى الخَطوات للتوقف وعدم اجتيازك للمرحلة التي تمر بك إلى أخرى أعمق وأفضل. اغرس دائمـًا في أفكارك المفاهيم الإيجابية التي تساعدك على اجتياز أزمات الحياة وآلامها، وتذكَّر حكمة الحياة التي نعيشها: أننا لن نتطور وننمو دون أن نعبر جسر الألم. كذٰلك فإن الألم نتيجة الخطأ هو طريقك إلى التعلم واكتساب الخبرات، ولذا يقولون: “إن الضربة التي لم تقتلك قد زادتك قوة. ولا شيء يجعلك عظيمـًا إلا ألم عظيم”. وثق دائمـًا أن لكل شيء تحت السماء وقتـًا، وأنه لا شيء مهما طالت مدته يستمر إلى الأبد. وهنا تحضُرني كلمات المتنيح “البابا أنبا شنوده الثالث”: “ربنا موجود، وكله للخير، ومصيرها أن تنتهي”.
• الحياة شركة
يقولون: “لا يُعتبر الألم ألمـًا إلا متى تحمله شخص واحد”؛ فالحياة شركة يعضد فيها كل إنسان الآخر، ولا يستطيع أحد أن يحياها بمفرده في معزِل عن الآخرين. حتى المتوحدون والنساك، فإنهم يحيَون في حياة يملؤها الله؛ إنهم أُناس رغِبوا في الانعزال عن البشر لتقديم حياتهم لله؛ لذٰلك فهم يشعرون دائمـًا بوجود الله في حياتهم. فلا تنغلق على ذاتك في آلامك، بل انطلق منها نحو البشر، ومن خلال معاملاتك معهم ستدرك آلامهم وسيشاركونك آلامك فتخف عن كاهلك أعباء الحياة. كذٰلك يمكنك أن تعبّر عن أحزانك، فهٰذا يخفف كثيرًا من وطأتها وحِدَّتها وتأثيرها السلبيّ في حياتك، ولٰكن لا تعاود التفكير فيها طويلاً.
• الصبر طريق
أعجبتني عبارة تقول: “عندما تُرهقك الحياة وجعـًا، أرهِقها أنت صبرًا.”. نعم، فالصبر طريق لاجتياز الألم، وإنك عندما تتخذ منه سبيلاً لك، تكون أكثر هدوءًا، ويمكنك التفكير بأكثر عقلانية واتزانـًا، مما يساعدك على تخطي الألم في وقت أقل وبطريقة إيجابية. وبالصبر تنشغل عن ألمك، وتبحث عن تلك القدرات الأخرى التي في أعماقك فتبدأ في استخدامها مما يساعدك على التطور والنمو في الحياة؛ وقد كان هٰذا طريق العظماء الذين تعرضوا لتجارِب وآلام، أمثال: الرئيس الأمريكيّ الذي قاد بلاده في أصعب أزماتها وهو على كرسيّ متحرك، “فرانكلين روزفلت”، والأديبة التي تحدت إعاقتَي الصمم وفقدان البصر “هيلين كيلر”، وعميد الأدب العربيّ “د. طٰه حسين” الذي صار وزيرًا للمعارف (وزير التربية والتعليم الآن)، على الرغم من فقدان بصره وهو في سن صغيرة؛ وغيرهم كثيرون. إننا نرى في حياة هؤلاء العظماء مواهب الله وعطاياه إليهم، مع إصرار وعزيمة فاستطاعوا تحقيق تلك الإنجازات التي تُعد معجزات. وهٰكذا الله دائمـًا يسمح بالتجربة ويهب معها القدرة على الاحتمال والقدرات التي تساعد على تخطيها. أمّا دَور الإنسان، فهو أن يثق بالله، وألا يقف عند حد الألم، بل يتخطاه مستخدمًا تلك القدرات ليحقق النجاحات والإنجازات.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ