تحدثنا في المقالة السابقة عن “أنواع الخداع” التي يقوم بها بعض الأشخاص: خداع في الفكر، في المشاعر، وفي السلوك؛ وذكرنا أن الأديان جميعًا ترفض جميع أنواع الغش والخداع وتَنهَى الإنسان عنها، وأن ما يحققه الخداع من نجاح لا يستمر طويلًا، بل هو الطريق إلى خَسارة كل شيء. واليوم نتكلم عن أصعب أنواع الغش والخداع في الحياة، وهو خداع الإنسان لذاته. يقولون: “لا شيء أصعب من تجنب خداع المرء لنفسه!”. حين نتحدث عن الخداع الذي يتعرض له الشخص، علينا أن نبدأ من الداخل، لذٰلك يجب أن ينتبَّه الإنسان لئلا يكون الخداع الذي يتعرض له في حياته من داخله ـ لا من آخرين فقط ـ الذي يُعد أسوأ أنواعه. يقول الفيلسوف الروائيّ الأمريكيّ “مايكل نوفاك”: “لا حدود معروفة لقدرة الإنسان على خداع نفسه”! ففي كثير من الأحيان تتحكم رغبة الإنسان وأهواؤه في توجيه أفكاره ومشاعره إلى السير في اتجاه مخالف للواقع ولحقيقة إمكانياته وقدراته، وفي استمرار الثقة بأشخاص ليسوا أكْفاء أو أمناء، وينتج من هٰذا النوع من الخداع، سواء بإدراك أو دونه، أنه يدفع الإنسان إلى أن يسلك طريقًا خاطئًا في حياته دون أن يستخدم قدراته الحقيقية الموهوبة له من الله فيتعثر كثيرًا في مسيره، أو يستمر في ثقته من نحو أشخاص تخدعه. أمّا الأمر الذي يُعد أشد خطرًا أن الشخص الذي يخدع نفسه يؤمن إيمانًا راسخًا أنه على صواب في آرائه ما يجعله لا يقبل نقدًا أو نصيحة تقدَّم له، إذ يريد أن يوافقه الجميع على ما يُدركه، أو يرَوه كما يرى هو نفسه ويفهمها!! وفي المقابل، فإنه يغضب بشدة عند مخالفة أحد لآرائه، أو حين يقدِّم له أحدهم تعليقًا أو رأيًا أو نصيحة. أيضًا يخدع الإنسان نفسه عندما يُدرك أنه يسير في طريق خاطئ ويُصر على الاستمرار في ارتياده دون أن يصحح خُطواته، أو حين يثق بأفكار شخص ما أو تصرفاته ويصدقها، في حين لا في عقله إلا عدم القَبول والرفض له وذٰلك لأنه لا يرغب إلا في تصديقه! ويستمر خداع الشخص لنفسه عندما يحاول أن يبرر أخطاءه هربًا من تحمل المسؤولية، في محاولة لإلقائها على شخص آخر أو ظروف أو إمكانيات، حتى لا يتحمل تبعات الأمر. أما نهاية ذٰلك الإنسان الذي يسير في طريق خداعة لنفسه، فلا تكون سوى الدمار لحياته، وللآخرين إن كان مسؤولًا عنهم؛ فهو لا يرى ما لديه من طاقات عظيمة، لأنه يرغب في إيهام نفسه بغيرها، فلا يعرِف طريق النجاح؛ كذٰلك فإنه يرفض نصائح صادقة أمينة قد تكون إنقاذًا له من تعثرات الحياة. ولمعالجة الإنسان لخداع نفسه، أطرح أمامك عزيزي القارئ بعض النقاط: • قيّم أفكارك وتصرفاتك من وقت إلى آخر على ضوء المبادئ والقيم، دون أن تلجأ إلى تبريرات. • ضَع أيّ نقد يوجَّه إليك موضع نقاش بينك وبين نفسك، وبينك وبين من تثق بهم وبمحبتهم وإخلاصهم لك. • يقولون: “استخِدم العقل في القضايا التي تخصك، أما قلبك فاستخدمه في قضايا الآخرين.”، فلا تُهمل عقلك تاركًا قيادة حياتك للمشاعر التي يسهل خداعها، وفي الوقت نفسه يجب أن تشعر بالهُدوء والسلام في النتائج التي تصل إليها. لا تتسرع في اتخاذ المواقف والقرارات، فهو لن يَزيدك إلا أخطاءً جديدة في حياتك. ولا تُبطئ كثيرًا، فالإبطاء يقودك إلى خداع التبريرات ويُفقدك حماس تعديل خُطواتك. • أيضًا وجود أناس أمناء مخلصين في حياتك يتمتعون بالحكمة والفكر الجيد هو تميز لك في حياتك، فالجأ إليهم من وقت إلى آخر في مناقشات بناءة و… وللحديث بقية …
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ