تحدثنا في المقالة السابقة عن بعض الأفكار في مقاومة عواصف اليأس. وقدَّمنا شخصية “لويس برايل” التي تحدى اليأس من خلال الإيمان العميق بهدفه في الحياة. واليوم نتحدث عن شخصية أخرى أبحرت في خِضَمّ أمواج الحياة، ضد عواصف اليأس التي تصدت لها بعنف، لتهزمها بأمل لا يَخفُِت، وبهدف حملته في فكرها ومشاعرها لتُكَلَّل بالنصر: إنها شخصية “نيلسون مانديلا”.
“نيلسون مانديلا” من منا لا يعرِف ذٰلك الزعيم الذي آمن بالحرية لكل إنسان، وكرَّس حياته في سعي نحو هدفه، حتى إنه لم يفقد الأمل، ولم يستسلم لرياح اليأس العاتية، التي حاولت تدمير كل أمل له في حياة تعرِف حرية البشر وكرامتهم؟! تمثلت أولى عواصف اليأس مع ميلاد “مانديلا”، إذ وجد نفسه في مجتمع عنصريّ، فقرر أن يتصدى لفكرة “العنصرية”، هادفـًا إلى تحقيق العدل والحرية مع كل إنسان. ومع أن الأمر يُعد صعبـًا بل يصل إلى الاستحالة، فإنه بدأ الطريق نحو الهدف: فدرس القانون، وعمِل بالمحاماة، في إيمان عميق بأهمية التعليم وقدرته في التغيير، وبدأ رحلة من الجهاد والعمل الجاد دون توقف. كان يمكن تلك الاتهامات والمحاكمات بالخيانة التي تعرض لها “مانديلا” أن تدمر ما لديه من آمال وأهداف؛ فلقد حُكم عليه بالسَّجن مدة طويلة قضَّى منها قُرابة ربع قرن من الزمان، ولٰكن الحُلم لم يفارق حياته؛ فعندما حُكم عليه بالسَّجن المؤبد قال: “إنني في قرارة نفسي إنسان متفائل، وإن كنتُ لا أدري أكان ذٰلك في طبيعتي أم في طبعي (الذي تعوَّدتُه في نشأتي). ومن علامات التفاؤل: أن يحافظ المرء على رأسه مرفوعـًا نحو السماء، وأن تكون خطاه متجهة إلى الأمام. لقد مرت بي لحظات عديدة اهتزت خلالها ثقتي بالإنسانية، ولٰكنني لم ولن أستسلم لليأس؛ فذٰلك هو السبيل إلى الإخفاق والموت المحقق.”. وكان ذلك هو سر عظمته وقوته، وما حثه بإصرار لا يضعف وعزيمة لا تنثني على مواصلة الطريق، الذي أثَّر في العالم بأسره، ليصبح هو الرمز الذي استُخدم في الحملة العالمية ضد التمييز العنصريّ! ومن السَّجن إلى قيادة شعب حين اختير من شعبه رئيسـًا لبلاده ليقودها ١٩٩٤-١٩٩٩م، ويحقق ما عاش من أجله في الحياة: فيغيِّر كل أنواع العنصرية في بلاده، ويحارب الفقر والجهل والمرض. إنها قصة حياة وكفاح، قدَّمت أعظم دُروس النجاح التي يصنعها الأمل الذي لا يُفقد أمام العقبات مهما عظمت ولفها ظلام اليأس، لتُحقِّق المستحيلات.
• ليكُن لك أصدقاء في لحظات ضعفك نقطة أخرى في التصدي لعواصف اليأس: أن يحيط الإنسان نفسه بأصدقاء الأمل. يقولون: “هناك أناس تحدثهم باليأس فيحدثونك بالأمل! هؤلاء هم من نحتاج إليهم بالقرب منا دائمـًا.”. نعم، فإن أصدقاء الأمل هم أولٰئك الذين يُشرقون في حياتك بومضات الأمل عندما يعصف بك اليأس؛ فتجدهم يساعدونك على التفكير بإيجابية، ويوجهون أنظارك إلى ما لديك من إمكانات في التصدي للظروف التي تمر بك. وفي معظم الأحيان هم أشخاص عرفوا طريقهم إلى النجاح، ويرغبون في مساعدة الآخرين وحفزهم على طريق النجاح. إن أمثال هؤلاء البشر لا تجود الحياة بمثلهم كثيرًا، فإن التقَيتَ أحدهم، تمسَّك به، فهو قوة لا يستهان بها في حياتك، وقوة بناء لا تعوض. وفوق كل ذلك، حين تهب عواصف اليأس على حياتك، اُنظر إلى السماء واطلب معونة الله ـ تبارك اسمه ـ مستنجدًا به، وثق بأنه يمنحك إياها، وهو قادر على أن يحول ظلمة يأسك إلى نور أمل لا ينطفئ، وأن يحول كل ما يمر بك من ظروف في حياتك إلى خير وبركات لا تنتهي؛ فاسعَ في الحياة متمسكـًا ببريق الأمل، والثقة بأنه هناك من يسند دائمـًا ضعفك.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ