تعد المحبة من أهم الروابط الأساسية التي وضعها الله لتربط بين البشر جميعـًا. وهي تعتبر من الفضائل المهمة التي تقود إلي فضائل أخري في حياة الإنسان مثل البذل والصبر والاحتمال. فمن يمكنه تقديم المحبة إلي الآخرين يستطيع أن يبذُِل، وأن يحتمل من أجلهم كثيرًا من الأمور والمواقف. إنه أيضـًا لا يتوقف عن العطاء، ويكون عطاؤه مميزًا؛ فكما يقولون: «قد يستطيع الإنسان أن يُعطي دون أن يحب. أمّا حينما يمتلئ قلبه بالمحبة للآخرين، فهو لا يتوقف عن العطاء.». فما أعظم من يستطيع أن يقدم المحبة بقلب نقيّ! وما أجمله! إنه لا يكره، ولا يحقد، بل يزرع المحبة ببساطة في قلوب كل من يلتقونه في الحياة.
وحينما يفتقد العالم إلي المحبة، نجده قد تحول إلي ساحة للتقاتل والنزاع ومحاولة فرض السيطرة من جانب الأقوي، ما لا يؤدي إلي إعمار الحياة والرقيّ بحياة البشر، إنما يقود إلي الدمار والهلاك والتشتت. ومن أقوال مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث في هٰذا: «ازرع الحب في الأرض، تصبح الأرض سماءً. انزِع الحب من الأرض، تصبح الأرض قبرًا.»؛ وهٰذا ما يختبره العالم؛ فكلما امتلأ مكان بالحب عم السلام والرخاء، وبانتزاعه تفقد الأرض معني الحياة.
«ما أجمل أن تجد قلبـًا يحبك دون أن يطالبك بأي شيء سوي أن تكون بخير!»؛ كلمات للشاعر والكاتب «جُبران خليل جبران» تعبر عن أن الشعور بالمحبة هو أحد أهم الحاجات الإنسانية التي تهب للإنسان السعادة. فمِن دون المحبة التي يقدمها الوالدون إلي أبنائهم، والمحبة التي بين أفراد الأسرة الواحدة، والأصدقاء، والزملاء، ما شعر الإنسان بالتقدير من الآخرين، ما يجعل الحياة أمرًا قاسيًا عليه، ويجد صعوبة في الشعور بالثقة بنفسه وبالآخرين.
والمحبة الحقيقية تساعد الإنسان علي تخطي الكبوات التي يتعرض لها في طريق حياته؛ فشعور الشخص بأن هناك من يحبه ويسانده في طريق الحياة يجعله يسرع بالقيام بعد تعرضه لسقطات أو مرات فشل، بل ويمنحه قوة للثبات في العمل والتقدم نحو النجاح، وتحقيق الإبداعات في حياته مهما اعترضته الصعاب.
وأعظم محبة حقيقية يجب أن يشعر بها الإنسان هي محبة الله له؛ فالله ـ جل جلاله ـ يملأ الكَون بمحبته، وعطفه، وعطاياه للجميع. فهو يحب خليقته ويهتم بها، وفي محبته تلك لا يرفض كل من يلجأ إليه، ويقبل توبة الخاطئ، ويساعد المحتاجين إليه ويعضّدهم؛ إنه الراعي الأعظم المهتم بخليقته!! ومن محبة الله يتعلم الإنسان أن يحب الآخرين، فيتسع حبه ويمتد ليشمل جميع إخوته في الإنسانية، وتكون محبته هي نقطة الانطلاق نحو العمل علي تخفيف آلام البشرية.
وفي المحبة، تستطيع الأيدي البناء معـًا، وبالعمل وتحقيق الإنجازات. تجد الأيدي تتشدد وتتكاتف وتتعاضد لتحقق ما تسعي له من أهداف. كما تجد القلوب تتسامح، والعقول تلتمس الأعذار للآخرين؛ فيمتلئ الكون بالحياة ونبضها.
وتُعد محبة الأوطان من أعمق أنواع المحبة التي تتجلي في قلب الإنسان. والمِصريون خصوصـًا هم من أوائل الشعوب التي تذوقت هٰذه المحبة وعاشتها عبر تاريخها الطويل، وخطَّتها علي صفحات التاريخ بأسطر من بريق وضياء، تلألأت فيها المواقف الوطنية. وينبغي لهٰذه المحبة أن تنعكس في السعي نحو العمل وبناء مِصر بكل الإخلاص والأمانة، التي قال عنها البابا شنوده الثالث: «مِصر ليست وطنـًا نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا.». فمحبة الوطن دائمـًا ما تعيش في أعماقنا، وتحيا داخلنا بكل مِلئها. حفِظ الله مِصر وصانها من كل شر.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ