أيام قليلة ويحتفل مسيحيُّو الشرق بعيد الميلاد المجيد، فكل عام وجميعكم بخير ومن عادتنا المصرية أن نتشارك جميعا الأعياد والأفراح، ونضرع إلي الله أن يحفظ سلام مِصر، والشرق الأوسط، والعالم بأسره. ففي قصة الميلاد، نجد فيها معاملات الله تجاه أنواع البشر كافة، وبالطريقة أو الأسلوب الذي يستطيع أن يتفهمه كل إنسان علي حدة، واليوم نختار أنواعـًا من الشخصيات التي عاملها الله – جل جلاله – بأساليب متنوعة: المجموعة الأولي: وفيها تشابه كبير في معاملة الله نحوها، وهي: «سيدتنا العذراء مريم»، والشيخ البار «يوسُِف النجار»، والرعاة. فتلك الشخصيات كان لها الارتباط والممارسات الدينية التي تجعل أمر ظهورات الملائكة لديها أمرا معروفا ومقبولا تستطيع فهمه وادراكه. فمع القديسة «العذراء مريم»، أُرسل إليها بشارة الميلاد مع «الملاك جَبرائيل». و«للعذراء» فهي التي تربت في الهيكل، وخدمت به، وتعرِف عن الأمور الروحية، والملائكة، والرسائل التي يتحدث بها الله مع البشر؛ لذلك نجد أن الله استخدم معها الطريقة نفسها التي استعملها مع «زكريا الكاهن» حين بشره بميلاد «يوحنا المَعمدان». كذلك نري في القصة تعامل الله والشيخ العجوز البار «يوسف النجار». ومع أن الكتاب المقدس لم يذكر كثيرًا عنه إلا أننا نعرف أن أصل عائلته يعود إلي «داود الملك» من سبط يهوذا، وأنه يعمل نجارًا، وكان إنسانـًا بارًّا يهتم بالحفاظ علي الطقوس والأعياد الدينية. وقد أوحي الله إليه في حُلم أن يعتني بـ«السيدة العذراء» وطفلها الذي حين تعرض للخطر أوحي إليه مرة أخري أن يأخذه وأمه إلي أرض مِصر، إلي أن أمره بالعودة إلي أرض «فلسطين».
وتمر قصة الميلاد ببعض الرعاة القائمين علي حراسة رعيتهم في مدينة «بيت لحم» ساهرين. وإذا ملاك يخبرهم بالطفل المولود ومكانه، ثم يظهر جمهور من الملائكة مسبحين الله: ««المجد لله في الأعالي، وعلي الأرض السلام، وبالناس المسرة».». ويفهم الرعاة رسالة السماء إليهم ليُسرعوا حيث المولود، ويجدوا «مريم» و«يوسُِف» والطفل مُضجَعـًا في المذود. وهكذا تصل رسالة السماء إلي الرعاة الساهرين الأمناء.
نوع آخر من الشخصيات تعامل الله وإياها في قصة الميلاد: المجوس الذين أتَوا من المشرق، وقد عُرف عنهم أنهم حكماء في بلاد المشرق (فارس)، ويَدينون في ذلك العصر بالـ»زارْدَشْتية»، ويعملون برؤية الأفلاك. وأولئك المجوس يُدركون الرسائل الهامة التي تأتي إليهم من السماء عن طريق النجوم، إذ كانوا يعتقدون بأن حركة النجوم والفلك تعكس أحداثـًا ستجري في التاريخ؛ لذلك كانوا يسترشدون بها في إدارة شئون البلاد. ورأَوا نَجمـًا غريبـًا يظهر في السماء، وهو ما يعني لديهم علامة مولد ملك. فحملوا هداياهم، وتبِعوا النَّجم حتي وصلوا إلي «بيت لحم». وعندما هداهم النَّجم إلي حيث السيد المسيح، سجدوا له وقدّموا إليه هدايا مِن: ذهب، ولُبان، ومرّ. لقد اجتذب الله المجوس إلي قصة الميلاد بالوسيلة التي يستطيعون فَهمها، بالنُّجوم وحركاتها إذ هم علماء الفلك. لقد أطاعوا ما رأَوه وتتبَّعوه، معرضين أنفسهم لمخاطر السفر الذي لم يكُن بالأمر السهل آنذاك.
أهنئكم جميعـًا بالعام الجديد وعيد الميلاد المجيد، وكل عام وجميعكم بخير.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ