تحدثنا عن “السعادة”، وعن أحد أهم أسرارها فى أنها لا توجد حيث تكون الكراهية. وكما أن السعادة تُفقَد فى حياة الإنسان حين تعرِف الكراهية الطريق إلى قلبه، فهى أيضـًا تتأثر سلبـًا وتختفى عندما ينتاب الإنسان القلق.
متى أردتَ السعادة، توقَّف عن القلق؛ فالقلق يُعتبر أحد المشاعر السلبية التى تجتاح حياة الإنسان، ويكون فى تأثيره كالعاصفة التى تبعثر وتدمر ما يملِك، وحين يستسلم له، تتحول طاقاته الإبداعية إلى محاولات فاشلة للخروج من عاصفته، فلا يمكنه استثمارها فى أى نجاح. فغالبـًا ما يصاحب القلق شرود ذهنىّ، وصعوبة فى التركيز، مع عدم القدرة على التفكير الموضوعىّ. ومع القلق الشديد، غالبـًا ما يتعرض بعض البشر إلى الإعياء الجِسمانى.
وفى الحياة، نجد بعض البشر الذين ينتابهم القلق من الأمس فيعيشون فى دائرة مغلقة على الماضى تحطم اليوم وتسرق منهم الغد! فهناك من يقلق على مستقبله فلا يمكنه العمل بالإمكانات المودَعة فى شخصه، فتمر أيامه فى صراع دائم مع مشاعر مجهولة يفقده مستقبله. وللخروج من دائرة القلق، عليك أن تتدرب على شكر الله كل يوم لأجل تلك العطايا التى وهبها لك، وأن تشكره أيضـًا على الشرور التى حفظك منها؛ وبذٰلك تُدرب ذاتك على التفكير الإيجابى الذى له قوة التغيير فى حياتك.
إن نظرة الإنسان وانشغاله بالجوانب الإيجابية فى حياته كفيلان بتهدئته فى قلقه؛ ويجذبانه إلى السير نحو الأمام متخطيـًا الحواجز والعقبات التى يصادفها فى الطريق. يقول “ديل كارنيجى”: “إذا أردتَ التوقف عن القلق والبَدء فى الحياة، إليك بهٰذه القاعدة: عدِّد نعمك لا متاعبك” .
كذٰلك من إحدى الوسائل الفعالة فى الابتعاد عن القلق، قدرة الإنسان أن يملأ حياته وينشغل بالعمل سواء أكان ذٰلك عملـًا يقتات به، أم عمل خير يعضد به الآخرين؛ فالحياة الممتلئة بالإنجازات والجهد والاهتمام بمعاونة من نقابله، لا يجد فيها صاحبها متسعـًا من الوقت ليتملكه فيه القلق ويدمر حياته! قيل فى المثل: “ليس العمل هو الذى يقتُل، إنما القلق”.
وأخيرًا، تمسك بثقتك بالله- جل جلاله – الذى يُدير الكَون، ويضبط كل أموره وأوقاته، وثِق بمحبته، وبأن اليوم والغد هما بين يديه؛ فمن يقلق كمن يُصر على رؤية السحب التى تحجب عنه ضوء الشمس. فقط، قُم بأداء ما يمكنك بكل جَد واجتهاد وأمانة دون تقصير، ثم نَم مطمئنـًا؛ فإن للكَون إلٰهًا عادلـًا يرى ويُنصت ويجازى كل إنسان بحسَب ما يزرع. وتذكر كلمات “البابا كيرلس السادس”: “لا يوجد شىء تحت السماء يقدر أن يكدرنى أو يُزعجنى، لأنى مُحْتَمٍ فى ذٰلك الحصن الحصين داخل الملجأ الأمين، مطمئن فى أحضان المراحم، حائز على ينبوع التعزية”.
جميعنا، يا صديقى، مسافرون نسعى فى طريق، إلا أن يومـًا ما نحن فيه عائدون.
امضِ فى طريقك واثقـًا آمنـًا؛ ففى السماء رب لن يدَعنا يومًا ما حائرين.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسىّ