يقولون: “الألم يقويك، ويجعلك أكثر حكمة”.. مَن من البشر يحب الألم أو يسعى له ؟! كل يحاول الهروب منه، إلا أن الحياة لا بد أن يعبر فيها كل إنسان جسرًا أُحب أن أطلق عليه اسم “جسر الألم”، والشخص الذى يستطيع عبور هذا الجسر بصبر واحتمال وثبات منطلقـًا من عمق الإيمان فى قلبه، سيُدرك معنى القوة والحكمة، والقوة هنا لا تعنى القوة الجسدية، إنما هى القوة التى تجعل داخل الإنسان صُلبًا ثابتًا لا يهتز مع رياح التجارِب والمشكلات.
الألم يقويك، لأنه يغربل حياتك من كل ما هو زائف أو خاطئ، فحين تمر بالإنسان تجرِبة مؤلمة، يُدرك معها ويتعلم قيمة جديدة فى الحياة. فالألم قد يكشف عيبًا فى أعماق الإنسان أو زيفا فى حياته، أو ربما يكشف له عن أشخاص غير صادقين وغير أمناء. ومن خلال ما يمر به من أحداث، يبدأ فى تقييم حياته وأموره وأفكاره ليبدأ مجددًا خطًى جديدةً فى رحلة الحياة بقوة جديدة وعمق أكثر.
أيضـًا من خلال الألم، يُدرِك الإنسان قوته الحقيقية، ويُدرِك مواطن الضعف فيه ما يجعله يتواضع ولا يتكبر أو يتعالى على الآخرين، أيضـًا حين يشعر الإنسان بضعفه، يشعر بالتعاطف نحو الآخرين الضعفاء الذين يمرون به فى الحياة؛ فلا يجد إلا يده تمتد مسرعة بالمعونة، ساندًا إياهم بكل عطف ومحبة، ومن هنا كان الألم مدرسة ترد الإنسان إلى إنسانيته وشعوره بمن حوله من البشر.
ومن أعظم دروس الألم، أنه يهب لك الصبر الذى يفتح أمامك نافذة الأمل فى غد أفضل يحمل إليك إشراقة شمسه، لتختفى ظلمة الليل، فما الحياة إلا إشراقة شمس ومغيبها؛ فمع كل مغيب تذكَّر أن الغد حتمًا سيأتى حاملاً معه شمس يوم جديد وأمل متجدد، ومن الصبر تتعلم القوة والحكمة، وكما أن الألم يعلِّم الصبر، فهو أيضـًا يختبر قوة وصلابة إيمانك الذى يمكنه أن يقف ويتحدى كل شكوك تمر بأفكارك، وكل مشاعر مؤلمة تجتاز قلبك، وتذكَّر أن كل أمور الحياة زائلة؛ فلا سعادة تستمر، ولا ألم يبقى؛ وإنما ما يستمر معك فى الحياة هو ما تعلتَمه من كل خبرة مرت بك.
عزيزى: حوِّل الألم الذى يمر بك إلى جسر تعبر به إلى القوة والحكمة والنضج فى الحياة. لا تجعله يحطمك، وإنما حطِّمه أنت بإيمانك وثقتك بالله، فالله لا يريد لك التعاسة والألم، ولٰكن يأذن فيه ليُضيف إلينا ما لا نستطيع تعلمه فى السعادة والراحة.
وهنا تمر بخاطرى كلمات مثلث الرحمات البابا “شنودة الثالث”: “كُن شديدًا فى الضيقة.. لا تجعل الضيقة تحطمك، إنما حطمها أنت بإيمانك.. أن الزجاجة متى وقعت على صخرة، لا تحطم الصخرة، وإنما تتحطم الزجاجة.. كُن إذًا صخرة”.