“ترددت الأسئلة عاصفةً بذهنها: أهى مخطئة فى معاملة صديقتها ـ كما يقولون ـ ببساطة؟ هل أصبح العالم أكثر تعقيدًا حتى إن كل الأمور لها معانٍ كثيرة؟ ماهو الصواب والخطأ؟ دارت الأفكار برأسها، وأخيرًا اعتراها صمت يُدَوِّى فى أعماقها!! وأصداء كلمات تتردد: لتكُن لك بساطة الحياة.. وعمقها..”.
يردد كثير من الناس أنهم يَحيَون حياة البساطة ويفضِّلونها؛ إلا أن فَهمهم للبساطة يتداخل هو وتعريفات أمور أخرى لديهم مثل الحكمة.
وفى قاموس “معجم المعانى الجامع” نجد ارتباط كلمة “البساطة” بعدد من التعابير التى توضح معناها مثل: “بساطة الوجه” أى طلاقته وبشاشته، و”بساطة خُلقية” أى سلاسة الطبع وهى عكس التعقيد، و”بساطة الأسلوب” أى سهولته ووضوحه. والإنسان البسيط هو شخص يتسم تفكيره بالوضوح والسهولة بعيدًا عن المكر والخبث والخداع. ويقول “آلبرت أينشتاين”: “أعتقد أن طريقة الحياة البسيطة والمتواضعة هى الأفضل للجميع، وأفضل على حد سواء للجسم والعقل”.
والبساطة لا تعنى السذاجة أو البعد عن العمق فى الحياة، ومن يعتقد هٰذا فهو مخطئ، إذ إن الفضائل جميعها يجب أن تكون بروح المحبة والحكمة، فتحمِل فى داخلها العمق، وفى أسلوبها البساطة التى تصل إلى جميع الناس. فالبسيط إنسان لديه معرفة وحكمة، لٰكنه يقدمهما بأسلوب عملى بسيط مفهوم لمن يدخلون فى تعاملات معه.
والإنسان البسيط هو إنسان يقدِّم ويُعطى الآخرين بمشاعر ممتلئة بالصدق ودون تكلف. إن له قلبـًا بسيطـًا بعيدًا عن التعقيدات مِعطاء. وأمثال هٰذه الشخصيات هى ما يبحث عنها البشر ويسعَون للاقتراب منها إذ يجدون أنفسهم محبوبين منهم. وهٰكذا يجتذب البسطاء الآخرين إليهم بابتسامتهم، وبتلك المحبة النابعة من نفوسهم النقية البعيدة عن كل غش وخداع؛ وكما يقولون: “كُن بسيطـًا تجذبِ الأنظار إليك فى عالم امتلأ تعقيدًا.”. فمثلـًا: مجرد ابتسامة أو نظرة تشجيع من إنسان تلقاه يمكنها أن تساعدك على المضى قُدمـًا فى الحياة لتصل إلى أعلى درجات النجاح فيها. تذكَّر معى بساطة كوب اللبن الذى شرِبه “هوارد كيلى” عند مروره بأحد المنازل التى يبتاع لها بعض الأشياء، ساعده على نمو الإيمان والثقة فى أعماقه؛ فأصبح الطبيب “هوارد كيلى” الذى أنقذ حياة كثيرين. حقـًّا: “مجرد ابتسامة رقيقة وقلب بسيط يمنحانك أن ترى جمال الحياة.”.
فكُن بسيطـًا، إن أردت أن تكون مؤثِّرًا؛ فإن أحد أسرار الثأثير فى الآخرين “البساطة”. إن حياتنا هى كما قيل عنها: “ليست معقدة بل هى بسيطة. وإن النقاء والبساطة هما الجَناحان اللذان يسمو بهما الإنسان عن الأمور الأرضية إلى حيث الرُّوحيات والسماويات؛ إنها طبيعة النفوس العظيمة!”.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى