“كان فى حِيرة من أمره، فقد ملأه الغضب الشديد على أعز أصدقائه، وتحدث معه بكلمات قاسية. إلا أنه حين هدأت ثورته، شعَر بندم عميق عن الكلمات التى صدرت منه؛ وأصبح يحمل فى داخله تساؤلـًا: هل يسامحه؟ أم هل هى النهاية؟”. إن المواقف العصيبة هى جزء من الحياة التى نعيشها؛ ربما تمضى بهدوء أو تعصف بنا لٰكننا يجب أن نتعلم بعضـًا من الحكمة كى نرتفع فوق الأزمات، يقولون: “تجاهَل، فليس كل شىء يستحق الانتباه.”. وقد تباينت الآراء بشأن فكرة التجاهل فى حياة الإنسان: فبعضٌ يراه “انتقامـًا راقيـًا”، وبعض يراه “وحشية” متجسدة فى سلوك البشر مثلما عبر “برنارد شو”: “أن تكره الآخر ليس إثمـًا عظيمـًا، لٰكن أن تتجاهله هو الوحشية بعينها.”، وبعضٌ يعتبره دعوة يوجهها إنسان إلى آخر كى يخرج من حياته ومنهم “أفلاطون” الذى قال: “عندما يتغير شخص تجاهك، تيَّقن أنه يريدك أن تخرج من حياته.”، فى حين يراه “شكسبير” قمة الأهمية: “حين يتجاهلك شخص ما، فاعرف أنك الأهم لديه.”! وآخرون يرَونه علاجـًا لبعض الشخصيات التى تصادفنا فى طريق الحياة. ويصف بعض الأشخاص التجاهل بأنه “نصف الطريق إلى السعادة” فيقولون: “اِمضِ كأنك لم تسمع، اُصمُت كأنك لم تفهم، تجاهَل كأنك لم ترَ، وانسَ كأنك لم تذكر؛ فهٰذا نصف الطريق إلى السعادة.”. يقولون: “الحياة تحتاج إلى تجاهُل: تجاهُل أحداث، تجاهُل أشخاص، تجاهُل أفعال؛ فليس كل أمر يستحق وقوفك.”. لٰكن دعنى أسأل: لمن التجاهل؟ أو: لأى الأشياء؟ لا أجد إجابة فى أعماقى سوى أن التجاهل يكون للمواقف لا للبشر. فما أصعب تجاهُل الإنسان فى أوقات غضبه، أو سعادته، أو آلامه، أو حِيرته! ولٰكنّ التجاهل يكون للمواقف، كى يمكنك الإبحار فى بحار الحياة وسْط نَوء الرياح، والوصول إلى الشاطئ. ماذا أتجاهل؟ يمكنك أن تتجاهل كلمات الآخرين وقت الغضب، وأن تقدِّم إليهم الاهتمام بأشخاصهم، وحينئذ يتسرب الهدوء إلى أعماق نفوسهم، وتكون قد قدَّمتَ إليهم المساعدة الحقيقية لعبور أزماتهم التى تمر بهم. أيضـًا يمكنك تجاهل العقبات التى تمر بحياتك، أى إنك تُصر على تخطيها لتصل إلى أهدافك، وتحقق ما تصبو إليه من نجاح. فتركيز الشخص على الصعاب وحدها يفقده الأمل فى استكمال المسير ويُحبِط من عزيمته، ولٰكن حينما يركز على إمكاناته ويُصر على الوصول، فسيحقق ما لا يمكن أن يتخيله. وهنا تمر بخاطرى كلمات المتنيح البابا “شنوده الثالث”:” لا تقُل: يا رب، أنا همى كبير. قل: يا هم، أنا ربى كبير.”. تجاهَل النقد الهدام الذى يُريد النيل منك، وشغلك عن أهداف طريقك، وأعطِ أُذنـًا مُصغية لكل نقد بناء يساعدك فى تعديل عملك وتصحيحه وتقويمه. إن التجاهل وقت النصيحة الصادقة الخالصة، وإن كانت ضد مشيئتك، هو غرور لن يصل بك إلا إلى السقوط والوصول إلى القاع لأن “قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامُخ الروح”.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى