الميلاد هو رحلة حياة لاستقبال وليد المذود في فكر وحياة كل إنسان؛ وحين ننظر إليه عن كثب نجد أن الميلاد شمل عدد من الرحلات قام بها أناس مختلفون في شخصياتهم ومراكزهم وسلطاتهم.
الرحلة الأولى هي رحلة البركات حيث سافر يوسف النجار، ذلك الشيخ الطاعن في السن البار أمام الله مع “مريم العذراء” الفتاة التي عاشت حياة البساطة والتواضع والخدمة لذلك اختارها الله من جميع نساء العالم لتكون أمـًّا للسيد المسيح. بدأت السيدة العذراء حياتها بالخدمة في الهيكل، ثم تركته لتعيش في رعاية “يوسُِف النجار” الذي استؤمن من الله على الاهتمام بـ”السيدة العذراء” والطفل. تحركت العائلة من مدينة الناصرة إلى بيت لحم لتنفيذ أمر ملكي صدر من الإمبراطور أوغسطس قيصر بالاكتتاب. وبينما هي هناك تمت أيامها لتلد، إلا أنهما لم يجدا موضع لهما سوى حظيرة للحيوانات وولد السيد المسيح ووضع في المذود لإطعام الحيوانات. ولتصير رحلة تلك العائلة منبع البركات للعالم.
الرحلة الثانية كانت رحلة إلى المذود قام بها مجموعة من الرعاة كانوا ساهرين من أجل حراسة رعيتهم في مدينة “بيت لحم”؛ فقدمت لهم السماء دعوة لهم لرؤية “طفل المذود”. لقد كان الرعاة أناس بسطاء يملكون قلوب متواضعة ولٰكنها في الوقت نفسه عظيمة أمام الله؛ فاستحقوا أن يظهر ملاك الرب لهم، ليبشرهم بميلاد السيد المسيح ويرشدهم إلى مكانه: “«لا تخافوا! فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: أنه وُلد لكم اليوم في مدينة داوُد مخلص هو المسيح الرب. وهٰذه لكم العلامة: تجدون طفلـًا مُقَمَّطـًا مُضجَعـًا في مذود».” ومع تلك البشارة ترنمت السماء “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة”. وما أن مضت عنهم الملائكة حتى قرر الرعاة الذهاب لرؤية طفل المذود قائلين: “لنذهب الآن إلى بيت لحم وننظر هذا الأمر الواقع الذي أعلمنا به الرب”. وأسرعوا في رحلتهم إلى حيث المذود والعائلة المقدسة لينالوا بركات الميلاد من السلام والفرح: “رجع الرعاة وهم يمجدون الله ويسبحونه على كل ما سمعوه ورأوه كما قيل لهم”.
رحلة أخرى اتجهت من المشرق إلى حيث الملك المولود، قام بالرحلة حكماء فى بلاد المشرق (فارس)، يُطلق عليهم اسم “المجوس”، وكانوا يَدينون في ذٰلك العصر بالــ”الزرادِشتية”. رأى هؤلاء المجوس نَجمـًا غريبـًا يظهر في السماء، وهو علامة على مولد ملك؛ فحملوا هداياهم وتبِعوا النَّجم حتى وصلوا إلى “بيت لحم” بعد أن التقَوا “هيرودُس” الملك. وعندما وصلوا إلى السيد المسيح، سجدوا له، وقدّموا له هداياهم مِن ذهب، ولُبان، ومُرّ. لقد تحملوا مشقة الطريق من أجل رؤية الملك الوليد وعادوا من رحلتهم ممتلئين من كل فرح وسلام: “فلما رأوا النجم فرحوا فرحًا عظيمًا جدًا، واتوا إلى البيت ورأوا الصبي مع مريم أمه”.
وهٰكذا قصة الميلاد في كل مكان وزمان هي رحلة من أجل للحصول على بركات الميلاد؛ “الفرح” و”السلام”؛ وحين يعيش الإنسان السلام الحقيقي والفرح فهو بلا شك قادر على تقديمه كرسالة إلى العالم. “إنها رسالة الميلاد”.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ