يثير استمرار محاكمة اثنين من القساوسة السودانيين في العاصمة السودانية الخرطوم تساؤلات بشأن تعامل السودان مع الأقليات الدينية، وهي قضية لها جذور تاريخية عميقة، ولا تزال تحظى بأهمية كبيرة.
واتُّهِم الأبوان “يات ميشيل” و”بيتر ين” بتهم عديدة، من بينها تقويض النظام الدستوري، وشن حرب ضد الدولة والتجسس، ويمكن توقيع عقوبة الإعدام على التهمة الأولى والثانية.
وقال الأب “توت كوني”، راعي الكنيسة الإنجيلية المشيخية في جنوب السودان، إن “القبض على كلا القِسين ليس شيئا جديدا على كنيستنا”.
وأضاف: “جميع القساوسة تقريبا سُجِنوا في ظل حكومة السودان، وهذه هي عادتهم لهدم الكنيسة. إننا لسنا مندهشون، هذه هي الطريقة التي يتعاملون بها مع الكنيسة.” وتعتبر منظمة العفو الدولية أن هذين الرجلين هما “سجينا رأي قُبِض عليهما واعتُقلا واتُّهِما؛ فقط بسبب تعبيرهما السلمي عن قناعتهما الدينية”.
وأثارت هذه القضية اهتمام منظمات مسيحية معنية بالدفاع عن حقوق المسيحيين في الولايات المتحدة، والتي تقول إن الرجلين “يتعرضان للاضطهاد بسبب عقيدتهما المسيحية”.
وتقول منظمة العفو إن “ميشيل قبض عليه في ديسمبر/ كانون الأول عام 2014، بعد أن ألقى عظة في إحدى الكنائس شمالي الخرطوم، أثار خلالها المخاوف بشأن معاملة المسيحيين في السودان”.
واعتُقل القس الآخر “ين” في الشهر التالي، وذلك على ما يبدو بعد أن أرسل خطابا لمكتب الشؤون الدينية يستفسر فيه عن سبب القبض على زميله.
وفي ظل استمرار المحاكمة، فإنه من المستحيل القول بشكل مؤكد إذا كان الرجلان مدانين بأية تهم، لكنهما معرضان لذلك بشكل واضح، إذ أنهما ينحدران من أقليات دينية وعِرقية؛ كونهما مسيحيين، ومن جنوب السودان.
وترتبط القضية هنا بشكل وثيق بالتمييز العرقي، إذ تُمنح معاملة مفضلة لأولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم “عرب” في مقابل من يعتقد أنهم “أفارقة”.
والجدير بالذكر أن هناك كنائس تعرضت للتدمير في الخرطوم، ويرى العديد من المسيحيين في السودان أن الحياة أصبحت أصعب عليهم.
وهناك واحدة من الحالات التي تابعها العالم، هي الحكم بإعدام مريم إبراهيم، بعد أن قال شقيقها إنها ارتدت عن الإسلام، قبل إلغاء الحكم في نهاية المطاف، وفرارها من البلاد.
وفي كلمة شهيرة له في أواخر عام 2010، قال الرئيس السوداني عمر البشير: “إنه بعد انفصال جنوب السودان فإنه “لن يكون هناك مجال للحديث عن تنوع عِرقي وثقافي”.
واعتُبر ذلك تهديدا مباشرا لأولئك الذين لم يتبنوا السياسات الإسلامية للنظام، وجميع أولئك الذين لم ينحدروا من الجماعات العرقية المهيمنة من الخرطوم والمناطق القريبة منها.
وأكَّد الرئيس البشير أيضا أنه بعد انفصال الجنوب؛ فإن “الإسلام سيكون الدين الرسمي، والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، واللغة الرسمية للدولة ستكون اللغة العربية”.
قد يبدو هذا منطقيا في دولة تشير الإحصاءات الرسمية فيها أن 97 في المئة من السكان مسلمون، لكنها أثارت قلق العديد من غير المسلمين، وأيضا المسلمين الذين لا يتبنون رؤية البشير عن الدين، ودوره في الحياة العامة.