صلى قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية مساء الخميس 14 مايو 2020م عشية عيد القديس أثناسيوس الرسولي بالمذبح الذي يحمل اسمه والموجود به جسده الكائن أسفل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية. كما طيَّب قداسته رفات القديس في نهاية العشية.
ألقى قداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، عظة فى الاحتفال بعيد القديس أثناسيوس الرسولى.
وجاء فى نص العظة:
وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِى الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِى الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِى الْعَالَمِ، رُفِعَ فِى الْمَجْدِ. (1تي3: 16). هذا العبارات التى قالها القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس كثيرًا كان يتكلم عنها القديس أثناسيوس الرسولى نحن فى هذه العشية نحتفل بتذكار القديس العظيم البابا أثناسيوس الرسولى البابا ال 20 فى القرن الرابع الميلادى، ونحن فى مزار القديس أثناسيوس الرسولى، عندما استلم البابا شنودة الثالث فى شهر مايو 1973 جزءا من رفات القديس البابا أثناسيوس من روما وكانت هذه أول زيارة يقوم بها بابا قبطى إلى الفاتيكان وكانت الزيارة يوم 10 مايو 1973 وتقابل فيها مع البابا بولس السادس ومن هذا اليوم بدأت علاقات طيبة بين الكنيستين خاصة أن البابا شنودة وقع اتفاقا ما بين الكنيستين وكانت البداية، وكان هناك قطيعة بين العالم الأرثوذكسى والعالم الكاثوليكى لمدة 15 قرنا، العالم الأرثوذكسى يتكوم من جزءين الكنائس الأرثوذكسية اللا خلقدونية ومنهم كنيستنا والكنائس الأرثوذكسية الخلقدونية مثل القسطنطينية واليونان وروسيا.
سنة 1965 قام البطرك المسكونى من الكنائس الخلقدونية بأول زيارة أرثوذكسية للفاتيكان، ثم كنائسنا اللاخلقدونية نحن والسريان والأرمن والأحباش والأرترين والهنود قام البابا شنودة بزيارة سنة 1973 وهذا كان استكمال للعائلة الأرثوذكسية فى زيارتها للفاتيكان وكانت هذه بدايات طيبة من أجل الحياة التى تمجد المسيح وفى هذا الوقت استلم البابا شنودة جزءا من رفات القديس البابا أثناسيوس فى وعاء على شكل كأس كبير والوعاء محفوظ فى هذا المذبح ونحن نستخدمه كمذبح ولكنه مقر لرفات القديس البابا أثناسيوس ونستخدم اللوح المقدس، لكن فى هذا الموضع أيضًا توجد مزارات ثلاثة من الأباء الأحباء المعاصرين المتنيح مثلث الرحمات الأنبا صموئيل أول أسقف للخدمات واستشهد سنة 1981 والمتنيح الأنبا غريغوريوس وتنيح سنة 2000 وكان أول أسقف للدراسات القبطية والبحث العلمى وأيضًا المتنيح القمص ميخائيل إبراهيم أحد الأباء الكهنة فى القاهرة وكان قامة روحية كبيرة وكان قريب للبابا شنودة فى خدمته ورسامته وفى الاعترافات والثلاث آباء مدفونين فى هذا الموضع ثم المزار الرئيسى هو مزار القديس أثناسيوس الرسولى.
لمصر الحق أن تفتخر أنه ظهر على أرضها القديس أثناسيوس الرسولى، هو القامة الأولى فى الشرق المسيحى وكانوا يطلقوا علية بطريرك الشرق من عظمته ولنعيش فى زمنه نذكر مجموعة من التواريخ مسلسلة:
سنة 284: قبل ميلاد القديس ومعنا اسم أثناسيوس “الخالد” كانت بداية حكم دقلديانوس وبداية التقويم القبطى وبداية سنة الشهداء ودقلديانوس أكثر شخص فى التاريخ اضطهد المسيحية آباءنا اختاروا تاريخ بداية حكمه ليكون بداية للتقويم القبطى.
297: ولد القديس أثناسيوس فى الصعيد وبعض المصادر تقول إن أبيه كان كاهنا وانتقلت أسرته من الصعيد إلى الإسكندرية ربما للتعليم أو للرزق وفى الإسكندرية أخذ قدرا كافيا من التربية الأسرية.
303: رسم البابا بطرس الأول البابا الـ17 خاتم الشهداء وبعده البابا أرشيلاوس ظل شهور قليلة ثم جاء البابا أليكسندروس وكان شيخًا كبيرًا وكان فى عصره أثناسيوس طفلا.
311: استشهد البابا بطرس خاتم الشهداء فى الإسكندرية.
312: رسم القديس أثناسيوس شماس وكان لديه 15 عاما تقريبًا وكان صاحب نبوغ مبكر.
313: صدر مرسوم ميلان الذى سمح للمسيحية أن تكون ديانة معترف بها فى الأمبراطورية الرومانية وكان منشورا عالميا وكان له تأثير وصارت المسيحية لا تُضطهد وأصبح أثناسيوسفى سن الـ 17 تقريبًا وزار البرية، وفى نفس الوقت ظهر كاهن فى مدينة الإسكندرية وكان عمره 60 عاما وكان معجب بنفسه ولديه كثير من المواهب وبدأ يعلم تعليم أول مرة يُسمع فى المسيحية أن المسيح ليس إله واستخدم موهبة الشعر والفصاحة والخطابة والوعظ لنشر هذا الكلام. يظهر البابا الكسندروس ويرى أثناسيوس ويأخذه ويصير تلميذ للبابا، وذهب أثناسيوس للبرية وشاهد القديس الأنبا أنطونيوس الذى كتب سيرته وتعلم نسكيات البرية وشبع من البرية.
325: كانت الأمور ملتهبه فى الحقول الكنسية وفى المسيحية بسبب أريوس وما سببه من أنشقاق والتاريخ يقول أن السيد المسيح ظهر بثوب ممزق للبابا بطرس خاتم الشهداء وكان هذا أريوس من مزق ثوبه، وأقيم مجمع نيقية وكان أول مجمع مسكونى فى العالم كله جمع أساقفة وبطاركة وكهنة وشمامسة وإذا اعتبرنا أن مجمع الرسل هو النموذج وكان مجمع نيقية مجمع كنسى، وكان الأمبراطور قسطنطين يريد حفظ سلام الأمبراطورية فجمع المجمع ليتفقوا هل أريوس مخطئ أو لا.
328: تنيح البابا اليكسندروس وكان شيخًا وقورًا وتنيح بعد المجمع بسنوات قليلة وأثناسيوس ظهر نبوغه في المجمع ورسم كاهن وفى عمر 30 عاما اختير البابا البطريرك رقم 20 فى تاريخ باباوات الإسكندرية والله اعطاه العمر الطويل و صار بطريركًا 47 سنة وكان بها متاعب كثيرة ولكن كان بها إنجازات عظيمة.
330:أقام البابا أثناسيوس أسقفًا لإثيوبيا أنبا سلامة “فرومنتيوس” وصار أنبا سلامة أول أسقف فى إثيوبيا وصارت من هذا التاريخ إيوبيا تابعة للكنيسة القبطية.
377: كانت نياحة البابا أثناسيوس فى الإسكندرية ومن 47 سنة الذى قضاها على الكرسى كان منهم 17 سنة فى النفى.
سوف نتكلم عن خمس مشاهد فى حياة البابا أثناسيوس الرسولى وهو الوحيد الذى أخذ هذا اللقب لأن جهاده كان جهادًا كبيرًا وعاش طويلًا وحفظ الإيمان المستقيم، الخمسة مشاهد كان لهم تأثير فى حياة البابا أثناسيوس الرسولى:
1- البيت: كان القديس أثناسيوس قد أخذ حصيلة من أسرته وظهرت هذه الحصيلة عندما اكتشفه البابا اليكسندروس وهو يلعب مع أصدقائه على شاطئ الإسكندرية، والبابا اليكسندروس كانت اقامته فى الكنيسة المرقسية “بوكاليا” وكان شاطئ البحر قريبا من الكنيسة وشاهد أطفالا يلعبوا، وكان أحد الأطفال يلعب دور أبونا ويلعبوا لعبة المعمودية ولحظوا البابا أليكسندروس وكانت عينه ثاقبه ومن هذه اللحظة أخذه ورعاه، وهذه رسالة كيف نرعى أطفالنا وكيف نكتشفهم مبكرًا، وعندما أصبح أثناسيوس فى حضرة البابا وكان تلميذ صغير تعلم منه ودفعه البابا للبرية وصار مساعد للبابا ثم صار البابا رقم 20 وتفوق البابا أثناسيوس.
2- الكنيسة: تلقى تعليمًا كنسيًا وعاش فى روح الكنيسة ومجدها وعقيدتها وتراثها واصالتها وكان لديه تعبير مهم جدًا “لا للفردية نعم للجماعية- الجماعية لا تصلح إلا بأعضاء أشداء محبين- المؤمن نغمة فى نوته موسيقية تشكل أجمل الحان الأبدية” وكما قال بعض القديسين الإنسان يكون “إنسان الأليلويا” تصير حياته تهليلا وفرحا، وقبل أن يصير القديس أثناسيوس بطريرك وضع لنا كتابين من أكبر الكتب، كتاب “تجسد الكلمة” ويردد فى هذا الكتاب هذه الآية “وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِى الْجَسَدِ”، يكررها ويشرحها ويربطها بسائر الآيات الأخرى، والكتاب الثانى” رد على الوثنين”، وعندما صار بطريركًا اهتم بتنظيم الحياة الرعوية وبدأ ما يسمى بالافتقاد وكانت بدايته قوية ومرتبطة بحياة الكنيسة وكان يؤمن بعمل الكنيسة الجماعى وعاش بهذه الفكرة وهو أول من رسم الأساقفة من بين الرهبان وهذا من أجل تنظيم الرعاية وهو أول من أعد الميرون المقدس وأهتم بتدشين الكنيسة فى المدينة المرمرية فى آثار دير مارمينا وكانت فى احتفال عظيم، وكانت ملامح حياته ملامح كنسية واهتم بالعمل الرعوى.
3- البرية: عاش بتول وذهب للبرية وظل بها ثلاث سنوات تقريبًا وتعرف على القديس أنطونيوس أب جميع الرهبان وكان يفتخر فى عظاته “أنه صب الماء على يد أنطونيوس” وهى علامة فخر، عندما تم نفيه إلى ترير على الحدود الألمانية استغل وقت النفى وكتب سيرة القديس أنطونيوس وكان هذا الكتاب بداية نشأة الحياة الرهبانية فى أوروبا وانتشرت فى العالم كله وأن هذا الكتاب كان سبب توبة القديس أغسطينوس وصار قديسًا، البرية تعيش داخل الإنسان بنسكها ورؤية أباطيل العالم وتظل داخل الإنسان في حياته وخدمته.
4- المجمع: وهذا سبب شهرة أثناسيوس وكان مع البابا اليكسندروس ولكن كان إنسان يقظ وتكلم كثيرًا عن شموخ اللاهوت وكمال الناسوت ومن أقواله “لو لم يكن جسدًا ما قمطته مريم العذراء ولكونه إله فإن الرعاة والمجوس سجدوا له”، وتكلم كثيرًا وتعرض لمتاعب كثيرة وكان يقول أن حجر الزاوية فى إيماننا هو هذه الآية “وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِى الْجَسَدِ” وبسبب دفاعه ضد أريوس واتباعة أطلقوا عليه “أسقف الأساقفة ومنارة فارس وحامى الإيمان القويم وعين العالم المقدسة وعمود الإيمان والصوت العالى للحق ورسول المسيح الجديد وحكيم الكنائس وصموئيل الكنيسة” وأعدائه أسموه “الزعيم المشاغب، البغيض أثناسيوس، الساحر القوى، الثائر المتأمر المفتون” لكن كانت قوته يسندها محبتة للمسيح التى تأصلت فيه منذ شبابه وكان اسمه ومازال مرادف للقوة والعقيدة وللإيمان ومن العبارات الرائعة “ليست الكلمات هى التى تصنع الأتقياء بل النفس المستقيمة والحياة المقدسة”، وقال أيضًا “اليقظة ممدوحة، والتقشف مقدس، وإذا حافظ عليهما إنسان أنقذ سفينة حياته وقادها دون مشقة إلى ميناء مدينة القديسين” وبعد المجمع صار بطريركًا وبدأ خدمته الواسعة فى الكنيسة.
5- المنفى: نفى 5 مرات واحدة خارج مصر والباقى داخل مصر وفى كل هذا كان عندما يعود يعود بروح الانتصار ويلتف حوله الشعب وبرغم أن الشعب كان يتعرض لآلامات كثيرة لكن القديس أثناسيوس وشعبه كانوا أمناء فى حياتهم للمسيح كان يقول “التواضع هو الحارس والحافظ لجميع أثمارنا” وعاش دون أن يحمل أى بغضة للآخرين وكان يتكلم بدقة شديدة وكان يقول “محبة المسيح تحصرنا” وكانت شخصيته فى المسيح شخصية قوية وعلاقته علاقة قوية وهذا ما كان يعطيه القوة الحقيقية التى عاش بها، أصالته وأبوته وإيمانياته، أثناسيوس كان راعى وكان أب عندما دُعى لمشكلة أريوس تكلم فيها ولكن البعد الأكبر من حياته كان راعيًا 47 سنة كان راعيًا وحفظ الأمانة بصورة قوية وصار لنا تاريخ مجيد وكما قلت لمصر الحق أن تفتخر أن أثناسيوس الرسولي ولد على أرضها وصار البطريرك رقم 20 فى التاريخ الحارس والحامى للإيمان، ولأنه كان يتكلم باللغة اليونانية قالت الكنائس اليونانية أنه ينتسب لنا وأنه ليس مصريًا ولكنه كان يتكلم باللغة السائدة فى هذا الوقت اليونانية وأيضا باللغة القبطية، وأحد كرادلة الغرب قال هذه العبارة الجميلة ” هذا الرجل العظيم طبع الكنيسة بطابعًا لا يمحو الدهر” سيرته تدرس فى كل مكان، و قيل عنه “إن وجدت كتابًا لأثناسيوس ليس معك ورق فانسخه واكتبه على قميصك” وعبر عنه القديس غريغوريوس النزيانزى “عندما أمدح أثناسيوس فإننى أمدح الفضيلة” هذا هو أثناسيوس العظيم فى الخمس مشاهد وهذه القامة الروحية الجميلة التى نحتفل بها اليوم ضمن احتفالنا فى شهر مايو بالقديسين الأسبوع الماضى كان الاحتفال بالقديس مارمرقس واليوم القديس أثناسيوس والأسبوع المقبل القديسة دميانة والقديس الأنبا باخوميوس وكثير من القديسين الذين نحتفل بهم هذا الشهر. يباركنا مسيحنا بكل بركة روحية ويعطينا أن ننفع بصلواته وبحياة هذا القديس العظيم. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.
صلاة عشية عيد نياحة البابا أثناسيوس الرسولي في مزاره بالكاتدرائية المرقسية بالأنبا رويس بالعباسية
الدورة والتطييب خلال صلاة عشية عيد نياحة البابا أثناسيوس الرسولي في مزاره بالكاتدرائية بالعباسية
تطييب رفات البابا أثناسيوس الرسولي في صلاة عشية عيد نياحته في مزاره بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية
الإنجيل بصوت الأنبا دانيال في عشية عيد نياحة البابا أثناسيوس الرسولي في مزاره بالكاتدرائية بالعباسية
عظة البابا تواضروس الثاني في عشية عيد نياحة البابا أثناسيوس الرسولي في مزاره بالكاتدرائية بالعباسية