تحدثنا فى المقالة السابقة عن الكلمات الأخيرة لـ “هولى بوتشر” قبل أن تغيب شمس حياتها بيوم واحد، منها أن الحياة ثمينة إذ هى هبة من الله وليست حقًّا مكتسبًا لأحد، وكذٰلك طلبت من الناس أن يتوقفوا عن القلق عند تعرضهم للمشكلات بل يحاولوا التغلب عليها، متوقفين عن المشاعر السلبية، لئلا تتأثر حياتهم ويؤثرون فى الآخرين سلبًا.
تستكمل “هولى بوتشر” كلماتها: “اسمع الناس يشتكون من العمل أو صعوبة القيام بالتدريبات؛ ولٰكن: كُن شاكرًا أنك قادر على العمل أو التدريبات . قد يبدو العمل والتدريبات فى نظرك أمرين غير مهمين ( لا يَلقَيان تقديرك ) ؛ حتى تجد نفسك غير قادر على القيام بأى منهما . فى الحقيقة ، لقد حاولتُ أن أحيا حياة صحية ، وكان ذٰلك شغفى الرئيسى ؛ لذٰلك اُشكر من أجل صحتك الجيدة ، وجسمك الذى يعمل بكفاءة، وإن لم يكُن حجمه مثاليًّا! ” . إن ” هولي” تحول أنظارنا إلى أهمية إدراك الميزات التى نملِكها فى حياتنا، فى حين إننا ربما لا ندرك وجودها أو لا نشعر بها مطلقًا ، وبدلا من معرفة نعم الله علينا، نضع اهتمامنا فى المقابل ونثبت أنظارنا فيما يعترضنا من عقبات أو مشكلات ؛ وبذٰلك تتحول الحياة إلى حمل ثقيل وهموم متواصلة. علينا أن ننتبه لنصف الكوب الممتلئ أى ما نملِكه ، ولا ننظر فى النصف الفارغ فقط أى ما لا نمتلكه، كى نشعر بالتقدير والرضا والسعادة. أتذكر ذٰلك الإنسان الذى كان يرغب بشدة فى عرض منزله للبيع لأنه لا يرى فيه أى ميزات، حتى قام أحد الأصدقاء بكتابة إعلان البيع، مبرزًا ميزات المنزل . وحين قرأها مالك المنزل، تراجع عن بيعه ! إذ أدرك أنه المنزل الذى طالما حَلَم باقتنائه . إننا فى كثير من الأحيان، نعتاد ما لدينا من ميزات وخيرات فلا نشعر بها نهائيًّا حتى نفقدها فنكتشف كم كنا قصيرى النظر !
ثم تسأل “هولي” البشر أن يكونوا شاكرين من أجل كل يوم يمر عليهم دون ألم، وأن يقبلوا أيامهم التى يشعرون فيها بأنهم ليسوا على ما يرام حين تنتابهم بعض أعراض البرد أو آلام الظهر أو القدم، فهٰذه الآلام ليست خطرًا يهدد حياتهم وسَرعان ما تزول؛ وهنا أتذكر كلمات مثلث الرحمات “البابا شنوده الثالث” عن عطايا الله : ” صدِّقونى ، يا إخوتى : لو أننا آمنا تمامًا بأن الله يُعطى باستمرار ، ما كانت الحياة كلها تكفى لشـكره.” .
تستطرد “هولي” قائلة : “ساعِدوا بعضكم بعضًا أكثر. أعطُوا، أعطُوا، أعطُوا؛ إنها الحقيقة: فأنت تحصل على سعادة أكبر عندما تفعل أشياء للآخرين أكثر من فعلها لنفسك. كم أتمنى لو أننى قدمت للآخرين أكثر مما قدمتُ لهم فى حياتي! فمنذ أن أصابنى المرض، وجدتُ الآخرين يقدمون لى عطاءً فائقًا غير عاديّ. كذٰلك التقيت أناسًا طيبين، وحصَلت على كثير من كلمات المحبة العميقة والدعم اللذين لا يمكننى ردهما من عائلتي، وأصدقائي، والغرباء؛ وإننى لن أنسى ذٰلك أبدًا، وسأحمل امتنانًا كبيرًا من نحوهم جميعهم إلى الأبد.”.
وللحديث بقية …
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى