“أنا عندى مكتبة إسلامية وبقرأ للشيخ الشعراوى وكتب التفسير الحديثة” واحدة من أبرز المقولات لقداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية منذ رقم 117 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الأمر الذى يؤكد على مدى ثقافة وانفتاح قداسته فى الإطلاع على الأديان والثقافات المختلفة، حيث أكد أنه صديق لكبار شيوخ الإسلام صداقة حقيقية، وليست صداقة عادية ويكن لهم الاحترام.
وبدوره “اليوم السابع” بحث عن المكتبة الإسلامية للبابا شنودة الثالث ليجدها فى المركز الثقافى الأرثوذكسى بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وموجودة داخل مكتبة مارمرقس والتى تحتوى على العديد من الكتب التاريخية وكتب الآثار والكتب الدينية المتمثلة فى كتب اللاهوت إلى جانب الكتب الدينية.
وتحتوى مكتبة قداسة البابا شنودة على قسم الكتاب المقدس والتفاسير، حيث أوضح مينا سليمان باحث بالمركز الثقافى الأرثوذكسى أنه يحتوى على التفاسير المختلفة للكتاب المقدس باللغة الإنجليزية واللغة العربية والموسوعة الكاملة له وقسم خاص بأقوال الآباء والذى يضمن شروحات الآباء فى القرون الأولى من القرن الأول حتى القرن الخامس وجزء يتعلق بالمواد الكنسية والطقسية الذى يهتم بترتيب الصلوات داخل الكنيسة إذا كانت ترانيم أو ألحان أو مدائح أو طقس القداس بالإضافة إلى الكتب اللاهوتية والعقائدية وفكر الكنيسة الأرثوذكسية.
وحول المكتبة الإسلامية للبابا شنودة الثالث جاء أبرزها القرآن الكريم مصحف الجمهورية التونسية وكتب تفسير القرآن الكريم 30 جزء للإمام الشعراوى والإمام القرطبى والطبرى وكتب فخر الرازى وكتاب ترجمة القرآن الكريم للغة الإنجليزية وكتب موسوعة العقاد الإسلامية وكتاب المعجم الفهرس والموسوعة الإسلامية الميسرة وكتب شرح رياض الصالحين.
وتحوى المكتبة الإسلامية لقداسة البابا شنودة الثالث أيضا على بعض الكتب الخاصة بالسنة النبوية الشريفة ومعالم الدين الإسلامى فى كتاب العبادة وفى كتاب الدعاة والدعوة الإسلامية وكتب الإسلام وحقوق الإنسان لدار الفكر العربى وكتاب المعجم الصوفى وكتب أصول الفقه فى موسوعة جمال عبدالناصر بالأجزاء المختلفة وكتب أصول الفقه الإسلامى وكتاب بعنوان “الإسلام انطلاق لا جمود” وكتب عن رسالة الملائكة لدار الأفاق الجديدة وكتب تلبيس إبليس وكتب عن رسالة الملائكة وابن القيم الجوزية وكتاب فى أفاق فى الحوار الإسلامى المسيحى.
وتحوى المكتبة على كتب للعديد من المفكرين الإسلاميين مثل الدكتور زغلول النجار والدكتور أحمد شوقى بالهيئة المصرية العامة للكتاب وكتب للإمام الغزالى حول 100 سؤال عن الإسلام وكتب عن الإعجاز العلمى فى السنة النبوية للدكتور زغلول النجار وأطلس الحضارة الإسلامية للدكتور إسماعيل راجى الفاروقى، وكتاب ابن القرية وكتاب مع الأنبياء فى القرآن الكريم والإعراب فى القرآن الكريم، وكتاب فلسفة الأخلاق فى الإسلام وكتاب محمد نبى الإسلام والإسلاميون وكتاب زاد المعاد لابن القيم الجوزيه وكتاب مفهوم النص دراسة فى علوم القرآن وكتاب الأعمال الكاملة لفضيلة الشيخ الإمام محمد متولى الشعراوى بالإضافة إلى العديد من الكتب الأخرى.
البابا شنوده الثالث والإمام الشعراوى عاش البابا شنودة الثالث قبل وفاته مع الشيخ محمد متولى الشعرواى رحمه الله رحلة حياة تمتعت بالمحبة والصداقة وكانت قائمة على التأخى بينهما وبين شعبى مصر وبدأت العلاقة بين الشيخ الشعراوى والبابا شنودة بعد إرسال البابا شنودة وفدا من رجال الكنيسة لزيارة الشيخ الشعراوى أثناء إجرائه عملية جراحية فى لندن، وقدم له هدية عبارة عن “علبة شيكولاتة” مع باقة من الورود، بعدها زاره بنفسه ووصى الدكاترة عليه.
ووضع قداسة البابا شنودة الثالث صورة الشيخ الشعراوى فى مكتبه الخاص لكى يصلى من أجل أن يتم الله شفاؤه، وأن يعود إلى أرض الوطن بكامل صحته بعد إجرائه عملية جراحية فى لندن، إذ وضع الشموع تحت صورته فى لافتة إنسانية تلفها مشاعر الحب والتقدير.
وعندما عاد الشيخ إلى مصر سالما، رأى أن من الواجب أن يزور البابا فى الكاتدرائية، فكان استقبال الشعراوى فى الكاتدرائية استقبالا حافلا، وكان عشرات الأساقفة والكهنة فى انتظاره، وتجمع عدد كبير من الأقباط أمام الباب الخارجى لتحيته أثناء دخوله، فكانت فرحة الجميع بالشيخ ظاهرة على الوجوه.
الغريب أن هذا اللقاء التاريخى كان مقررا له أن يستمر نصف ساعة فقط، لكنه استمر أكثر من 3 ساعات دون ملل، إذ قال الشعراوى وقتها: “من منح الله لى فى محنتى أنه جعلنى أجلس مع قداسة البابا شنودة”.
فرد البابا شنودة لقد نبهنا إلى شىء هام، وهو أن الذين ارتبطوا بالسماء يجب أن يضعوا أيديهم فى أيدى بعض دائما من أجل ما اتفقوا عليه ويتركوا ما اختلفوا فيه، خاصة أن الملحدين يأخذون من الخلاف حجة لكى يبتعدوا عن الإيمان، ونشكر الله لأن المساحة المشتركة بيننا واسعة لكى نعمل فيها.
وقبل نهاية اللقاء قال الشعراوى: “مساحة الاتفاق هذه تسعنا بإذن الله لخير الوطن”، فرد البابا بقوله: “نعمل معا ليس فقط فى مواجهة الملحدين، ولكن ضد المنحلين خلقيا واجتماعيا وفكريا، فالبعض يستغل حرية الفكر لينحرف بفكره ويقع فى الضلال”، فعلق الشيخ قائلًا: “الفكر الذى يجب أن يشغل الناس به أنفسهم هو حقيقة واحدة، هى حقيقة الله الذى خلق الكون، وما أمر به عباده، وغير ذلك لا يعتبر فكرا.
وقال الشيخ الشعراوى: إنه يعرف أن البابا له مؤلفات كثيرة، ويجب أن يطلع عليها، فأهداه البابا مجموعة كتب من مؤلفاته، لكن الشيخ قال: “وأين الشعر؟ فقدم البابا كتابا يضم بعض الأشعار التى نظمها، وقال له: هل يمكن أن نسمع منك بعض أشعارك ؟، فألقى الشيخ إحدى قصائده، وسأل البابا أن يسمعه قصيدة من قصائده، واستمر الاثنان يتبادلان القصائد وسط تهليل الحاضرين، حيث تحولت الجلسة إلى مأدبة ثقافية دينية خالصة.
وفى نهاية اللقاء سأل الشيخ البابا عن آخر قصائده، فقال البابا: إنها القصيدة التى لم أكتبها بعد، وقدم هدية إلى الشيخ عبارة عن موسوعة لسان العرب لابن منظور من عشرين جزءا، وقدم الشعراوى إلى البابا هدية عبارة عن عباءة سوداء، وعلق البابا وهو يتسلمها قائلًا: “نحن نريد للمجتمع كله أن يعيش تحت عباءة واحدة”
وعن لقائه بالشيخ الشعرواى، قال البابا شنودة فى تصريحات له آنذاك: “أرى أن هذا اللقاء يفرح به كثيرون، لأنه لقاء به مودة ومحبة، وكل لقاء هو مقدمة للقاءات أخرى، اللقاء هو أول خطوة فى طريق يمكن أن يطول، وإذا التقى الناس بالأجساد فمن الممكن أن يلتقوا بالأفكار». وحين توفى الشيخ ذهب البابا للعزاء مع مجموعة من كبار الكهنة، وقال: «لقد خسرنا شخصية نادرة فى إخلاصها ونقائها وفهمها لجوهر الإيمان»، ولم يستطع أن يخفى ملامح الحزن على وجهه وقتها.
حزن البابا شنودة الثالث على وفاة الشيخ الشعراوى وعند وفاة الشيخ الشعراوى قال قداسة البابا شنودة الثالث: “تأثرنا كثيرا لوفاة صاحب الفضيلة، فهو رجل عالم متبحر فى علمه، ومحبوبا من آلاف وعشرات الآلاف، وموضع ثقة لكل من لهم رأى، وقد عاش واعظا وكاتبا وشاعرا، وضعفت صحته فى الأيام الأخيرة، وأراد الله له أن يستريح من تعب الدنيا، وجمعتنى به أواصر من المودة والمحبة فى السنوات الأخيرة من عمره، وكنا نقضى وقتا طيبا معا وكنا أيضا تجمعنا روابط محبة الأدب والشعر، ونطلب العزاء لكل محبيه”.