أهنئ كل إخوتنا المسلمين في كل مكان بعيد الفطر، ونصلي إلى الله أن يحفظ أمن “مِصر” وسلام أبنائها، وأن يملأ بلادنا الغالية بالسعادة والأفراح. كذٰلك أقدِّم تحية إلى كل مِصريّ يبني، ويسند، ويَعضُد، ويحب هٰذا البلد الأصيل؛ مع اقتراب افتتاح مشروع قناة السويس، ذٰلك الحُلم الذي صنعته الأيدي المِصرية، وأوشك أن يصبح حقيقة نعيشها. يقول الكاتب الإنجليزي “صامويل سميلز”: “إن قُِدوة المجتهدين تؤثر تأثيرًا قويـًّا يفوق تأثير العلوم، بل ما من علَّم يؤثر في حياة الإنسان مثل العلم الذي يراه يوميـًّا في البيوت والشوارع والحقول والمعامل.”؛ إذ يتحدث عن أهمية دَور الإنسان أو الشعب في النهوض بحياته وبلاده. فإن كان العلم الذي وصل إليه الإنسان يُعد أحد التطورات والإنجازات، إلا أنه إذا ظل حبيس العقول دون أن يطبَّق في سلوكيات البشر وفي الحياة، ضعفت أهميته وصار كأنه غير موجود. وعلينا أن نُدرِك أن قوة الإنسان وتأثيره يعتمدان عليه هو أولـًا، إذ باعتماد الإنسان على نفسه يقوى، وكلما ازداد اعتماده على الآخرين تُصيب قواه الوهْن، أو يظل في حالة ضَُعف واحتياج دائمَين. ومن هنا نجد أن النهوض ببلادنا هو دعوة إلى النهوض بأفراده، وإلى أن نتعلم جميعنا: الاعتماد على النفس، والعمل، والهمة … إلخ. إن كل إنسان يعمل بأمانة وإخلاص يصل إلى قمم النجاح، ويكون أيضـًا قُِدوة لغيره في الاجتهاد والنزاهة والاستقامة؛ فتصير حياته مثالـًا يقتدي به كثيرون من معاصريه وخلفائه. ومن اعتاد الاعتماد على ذاته والعمل بجِد، فلن يجد إلا النجاح مصيرًا له، فهو يجدّ ويسعى في طرق الحياة الصعبة الوعرة، إلى أن يصل إلى القمم التي وضعها نصب عينيه. وكما قيل: “إن من سعى في طلب المجد بهمة قوية، وواظب على السعي، نال مبتغاه.”. وبنظرة سريعة في عديد من الشخصيات الناجحة في الحياة، نجد أن ما خاضوه من صعاب وضيقات في طريقهم، كان أحد شروط تأهيلهم للوصول إلى النجاح. فيذكر أحد نواب البرلمان الإنجليزيّ أن والده تُوُفِّي وهو في الرابعة عشرة، تاركـًا “كلاسكو” إلى “ليڤربول”، غير قادر على دفع أجرة السفر، فخدم ربان السفينة في عملية تنقية الفحم. وفي ليڤربول، لم يجد عملـًا إلا بعد سبعة أسابيع، فكان ينام في الخلاء ويجد الطعام بصعوبة شديدة؛ ولما بلغ التاسعة عشرة، عمِل على متن سفينة، وبجده وتعبه واستقامته صار قائدًا لأحد المراكب؛ وفي سن الثالثة والعشرين، ترك البحر ليعمل بجد واجتهاد وتعب ليشق طريقه في الحياة ويقول: “وأؤكد لكم أن السبب الحقيقيّ لتقدمي هو اجتهادي وتعبي بموجِب تلك القاعدة الذهبية التي جعلتُها دُستورًا لكل تصرفاتي؛ فكنتُ أفعل بالغير كما أريد أن يفعل بي.”. وهناك نماذج عديدة أمثال هٰذا الإنسان. أيضـًا الإنسان الذي يتعب ويجاهد في حياته لا يُضيره ما يتعرض له من مواقف عصيبة تمر به في حياته، بل تُشدد منه ومن قوته وصلابته، فيخوضها ويخرج منها وهو أكثر نجاحـًا. وهٰكذا تكون الأمم والبلاد بحسب أفرادها، إذ كلما تعلموا وعمِلوا وجاهدوا بصبر وأمانة، ارتفع شأن بلادهم. قال الرئيس الأمريكيّ السابع عشَر “أندرو چونسون”: “يعيّرني البعض بأنني كنت خياطـًا، ولٰكنني لا أرى في ذٰلك شيئـًا من العار، لأنني وأنا خياط كنتُ مشهورًا بالأمانة، والمهارة في صناعتي. وكنتُ دائمـًا أَخِيط الثياب وأُعطيها لأصحابها في الأجل المعيَّن؛ هٰذا علاوة على أنني كنتُ أعملها عملـًا جيدًا متينـًا.”. إن “مِصر” تحتاج اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى أيدي كل شعبها للعمل بالصبر والمحبة الكبيرة لها، لكي ما تتخطى الصعاب وتعلو إلى قمم النجاح، لتستمر في ريادتها للعالم التي طالما كان عهدها على مر العصور والتاريخ.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ