يحتفل المسيحيون غداً بعيد القيامة. وحقيقة القيامة والحياة بعد الموت أكدتها الأديان. فرحلة حياة الإنسان ما هي إلا فترة قصيرة، مهما تطل فهي لا تقارن بالحياة الأبدية التي لا تنتهي بعد أن يقوم الإنسان. وبهذا صارت القيامة امتداداً لحياة الإنسان علي الأرض، ولم يعد الموت هو
النهاية، وإنما صار عبوراً من الأرض إلي السماء. والقيامة تحمل لنا كثيراً من المعاني والدروس، فهي تعطي الحياة قيمة ومعني، وأيضاً تهب لها الرجاء.
القيامة والحياة
من القيامة نتعلم معني الحياة وقيمتها، فكل إنسان سيقف أمام الله ـ جل جلاله ـ في القيامة ليحاسب علي الأعمال التي قام بها في حياته، »فإذا كل واحد منا سيعطي عن نفسه حساباً لله«، لذلك فإن الإنسان الحكيم يضع دائماً نصب عينيه نتائج الأعمال التي يقوم بها، وتصبح الحياة الأبدية جزءاً لا يتجزأ من حياته يؤثر في قراراته وتصرفاته، فيقوم بتعديل كل سلوكه أو فكره.
والقيامة ترفع نظر الإنسان إلي السماء وتربط حياته علي الأرض بما بعد الموت، لتصبح طريقاً واحداً ممتداً من الأرض إلي السماء وممتلئاً من: المحبة والعطاء وتعضيد الآخرين.. الخ. ويعيش الإنسان لا لنفسه فقط في غير مراعاة للآخرين بل يهتم بكل ما هو لبناء من حوله وخيره. وبهذا تصبح القيامة دافعاً في حياة البشر من أجل العمل بأمانة وإخلاص، في الحياة التي منحهم الله إياها. أعجبني قول أحدهم: »عندما تنتهي حياتي وأقف أمام الله، أتمني ألا تكون لدي موهبة تُركت بلا عمل، وأن أستطيع أن أقول لله: إنني استخدمت كل ما أعطيتني إياه للخير إن القيامية هي نور يلقي بضيائه في حياة البشر، وينعكس علي من يعرفونه فتصير خطواتهم علامات في طريق الحياة.
القيامة والرجاء
وفي رحلة الحياة حين يتعرض البشر للألم أو التعب أو الضيقات، نجد أن القيامة تعطي الإنسان الأمل والصبر والعزاء في احتمال هذه الأتعاب علي رجاء أن الأفضل سيأتي بعد. تتحدث قصة عن سيدة تعيش في إحدي الدول الغربية وقد أصابها مرض لا شفاء منه، فأعلمها الأطباء أن أمامها مدة وجيزة لا تتعدي بضعة أشهر ثم تموت. بدأت السيدة في ترتيب بعض الأمور، إلا أنه كان لها طلب غريب، فقد رغبت أن تُدفن وهي ممسكة بشوكة طعام في يدها! مما أثار الدهشة والاستغراب، إلا أنها فسرت هذا الأمر قائلة: أتذكر أنه في جميع المناسبات الاجتماعية التي مرت بي، وكنت أتناول فيها الطعام، أنه عند رفع أطباق الطعام الأساسية، يقولون لك: احتفظ بالشوكة الخاصة بك. وقد كنت أحب هذه العبارة جداً، فقد كانت تعني أن الأمر لم ينته بعد، وأنه مازال هناك شيء أفضل سيأتي: تورتة شيكولاتة، فطيرة تفاح.. الخ. لذلك أريد لمن يرونني والشوكة في يدي، أن يتساءلوا عن سرها، وحينئذ قولوا لهم: الآتي هو الأفضل، وهذا ما حدث بالفعل، فقد تساءل كل من ودع هذه السيدة عن سر الشوكة، فكانوا يخبرونهم أنها تعني: »الأفضل هو في الحياة القادمة«. إن هذه القصة تعكس ببساطة شديدة، ولكنها لا تخلو من العمق، رؤية السيدة للحياة بعد القيامة في أنها تحمل كل ما هو أفضل للإنسان. فإن كانت الحياة هنا تحمل في طياتها المشكلات والمتاعب والآلام، فالقيامة تهب للبشر الأمل والرجاء والصبر، وهكذا يستطيعون الاستمرار في الحياة بقوة
القيامة. أهنئكم بعيد القيامة مصلين إلي الله أن يهب شعب مصر كل سعادة وسلام، ويحفظ بلادنا المحبوبة مصر في أمن وسلام وخير ورخاء.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ