أهنئ المِصريين جميعًا بمناسبة “عيد إعلان إصعاد جسد السيدة العذراء إلى السماء”، الذي نحتفل به غدًا الخميسالسادس عشر من شهر مسرى (22/ 8).إن محبة المصريين، المسلمين والمسيحيين، للسيدة العذراء، غامرة فائقة، إذ لها مكانة وكرامة عظيمتان في الكتاب والقرآن؛ يقول عنها الحكيم في الكتاب: “بَنَاتٌ كَثِيرَاتٌ عَمِلْنَ فَضْلاً، أَمَّا أَنْتِ فَفُقْتِ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا”، وفي القرآن: {وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَالَمِينَ}. إن القديسة السيدة العذراء هي من نالت البركة من السماء حينأعلن لها الملاك في الكتاب: “مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ”،”قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ ٱللهِ”؛ وفي القرآن: {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
أما مناسبة ذلك العيد، فتعود إلى أحداث ما بعد نياحة (وفاة) القديسة السيدة العذراء: حين أسرع تلاميذ السيد المسيح – عدا “توما الرسول” الذي كان يبشر في “الهند” آنذاك – بمواراة جثمانها الطاهر قبرًا لائقا بها أُعد لها. وفي أثناء عودة “توما الرسول” من التبشير في بلاد الهند، رأى الملائكة وهي حاملة جسد القديسة السيدة العذراء، صاعدة به إلى السماء، فلما التقى “توما الرسول” بقية الرسل وسألهم عنها، أعلموه بأمر نياحتها، فطلب أن يرى مكان قبرها، وعندما ذهبوا به إليه لم يجدوا الجسد المبارك فغمرتهم الدهشة، فابتدأ “توما الرسول” يقصّ عليهم رؤية الجسد تحمله ملائكة إلى السماء؛ فاشتهى الرسل أن يرَوا ذاك المنظر المقدس؛ فصاموا مصلين إلى الله أن ينالوا تلك البركة، وبعد خمسة عشر يومًا أظهر الله لهم جسدها وتباركوا منه.
وتمتلئ حياة القديسة السيدة العذراء بكثير من الفضائل. لٰكن من أهم سمات حياتها الطاهرة هي قوة الإيمان الذي كانت تحياه منذ طفولتها وفي كل لحظة من حياتها؛ لقد كانت لها ثقة كاملة بالله وإيقان تام بأعماله. ويُرى هٰذا الإيمان بوضوح في بشارة الملاك إليها كما جاء في الكتاب: “وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هٰذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلْأَبَدِ، وَلَا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ». فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلَاكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» فَأَجَابَ ٱلْمَلَاكُ وَقَالَ لَها: «ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ ٱلْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذٰلِكَ أَيْضًا ٱلْقُدُّوسُ ٱلْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ٱبْنَ ٱللهِ. وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضًا حُبْلَى بِٱبْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهٰذَا هُوَ ٱلشَّهْرُ ٱلسَّادِسُ لِتِلْكَ ٱلْمَدْعُوَّةِ عَاقِرًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى ٱللهِ». فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ ٱلرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلَاكُ”. إن البشارة التي تلقتها القديسة السيدة العذراء كانت فريدة في نوعها، ولم تتكرر، ولن تتكرر في أي عصر، وعلى الرغم من عظم تلك البشارة فقد قبِلتها في خضوع تام وباتضاع متناهٍ وإيمان وتسليم كاملين قائلة: “هُوَذَا أَنَا أَمَةُ ٱلرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ”.
ويؤكد الوحي الإلٰهي إيمان القديسة السيدة العذراء وجمال اتضاعها، حين أظهر مدى حرصها على الإسراع، فور تلقيها بشارة السماء، بالذهاب على الجبال غير عابئة بأي مشقة، صوب مدينة يهوذا، لتمكث ببيت “زكريا الكاهن”، عازمةً على خدمة “أليصابات” نسيبتها الحبلى، التي ما إن سمعتها وهي تبادرها بالسلام إلا وابتهج جنينها في بطنها!!! فهتفت: “مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي ٱلنِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هٰذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟! فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلَامِكِ فِي أُذُنَيَّ ٱرْتَكَضَ ٱلْجَنِينُ بِٱبْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي! فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ»”. ولا يُنسى للقديسة السيدة العذراء موقفها الإيماني حين أوصت خدام عرس قانا الجليل أن ينفذوا كل ما يقوله لهم السيد المسيح، مؤكدةً في إيقان تام: “مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَٱفْعَلُوهُ”.
إن حياة الإيمان التي عاشتها القديسة السيدة العذراء كانت نتاج حياة ملائكية مارستها في طفولتها، حيث عاشت ملاصقة للهيكل وهي بنت ثلاث سنوات، تغوص في حياة من الصلاة والتأمل، متكلة على الله ونعمته كل أيامها، فاستحقت بحياتها البالغة النقاء القوية الإيمان أن تنال بركات السماء بل تصير سماءً ثانية!
كل عام وجميعكم بخير. نصلى ونطلب إلى الله أن يحفظ بلادنا الحبيبة «مصر» وشعبها من كل شر، ببركة من زارتها مع عائلتها المقدسة ملتجئة إليها، فسرت البركة فى أرضها إلى الأبد.