مــبادئ الـكـــرم (11)
صنعتــك أنـت
ثمة نوع آخر من الكرم يقدمه الكرماء؛ وهو تقديم الكلمة الطيبة المشجعة إلي كل من يلتقونه
في الحياة …. يقول الحكيم: “الغم في قلب الرجل يُحنيه، والكلمة الطيبة تُفرّحه.” بينما تُحني الكلمات القاسية
النفوس؛ مِثل أيوب البار الذي قال: “حتي متي تُعذبون نفسي وتسحقونني بالكلام؟!”. فكُن عزيزي الإنسان كريمًا
بكلماتك الطيبة المفرِِّحة، التي قد تُسعد بها قلوبًا حزينة متألمة أو تُشجع نفوسًا ضعيفة وأنت لا تدري أن كلماتك هي
كنوز بالنسبة إليهم! توقف الشاب ليقدم إحسانًا إلي رجل فقير يسأل العابرين صدقة. إلا أنه اكتشف عدم وجود حافظة
نقوده، فقد نسِيها بالمنزل. اضطرب الشاب خجلا، ولم يدرِ كيف يتصرف. فاعتذر للرجل بكلمات رقيقة قائلاً: معذرة
يا أبي!! لقد نسِيتُ نقودي بالمنزل، لكنْ عند عودتي إليك ستكون معي نقود و… فأسرع الرجل بمقاطعة الشاب قائلا:
عفوًا يا ابني، لقد أعطيتني أكثر جدًا مما قدمه إليَّ الجميع! تعجب الشاب من كلمات الرجل، وسأله: كيف هذا يا أبي؟!
فأنا لم أقدم إليك شيئًا بالفعل؟ ابتسم الرجل وعيناه تمتلئان بالدموع، وقال: لا، يا ابني! فعندما اعتذرتَ لي عن نِسيان
المال قلتَ لي: “يا أبي”، وهذه الكلمة لم ينطق بها أحد من قبلك؛ فثمنها عندي لا يُقدر بمال!!
وفي قصة عن أحد ملوك الفرس، أعلن جائزة مالية كبيرة لكل من يقول كلمة طيبة، أنه في أحد الأيام وبينما هو يسير
في المدينة، رأي فلاحًا عجوزًا جدًا يغرس شجرة زيتون. فتعجب الملك سائلا الرجل: لماذا تغرس هذه الزيتونة،
وأنت لن تأكل من ثمارها؟! أجاب العجوز: آباؤنا السابقون زرعوا من أجلنا فأكلنا نحن، واليوم نحن نزرع لكي يأكل
من يأتي مِن بعدنا. أُعجب الملك بكلمات العجوز الطيبة، وأمر بإعطائه المكافأة. ابتسم الرجل، فسأله الملك عن سر
ابتسامته، فقال: الزيتونة تُثمر بعد سنين طويلة، أمّا شجرتي فقد أثمرت الآن. فأمر الملك بمكافأة ثانية له أخذها
العجوز وابتسم. وحين سأله الملك ثانية عن ابتسامته، قال: يا جلالة الملك إن شجرة الزيتون تُثمر مرة واحدة في
السنة، وشجرتي أثمرت مرتين!! فأمر الملك له بالمكافأة مرة ثالثة، ثم أسرع بالتحرك قائلا: لو أنني جلستُ عند هذا
الفلاح العجوز طويلا لسمِعتُ كثيرًا من الكلمات الطيبة ولَنفَد مال البلاد!!! بالحق إن ثمار الكلمة الطيبة كثيرة جدًا
لقائلها وسامعها.
وعن الكرم أتوقف أمام عبارة تُلقي بالمسئولية علي كل منا في هذه الحياة. فقد مر أحد الرجال الصالحين الأتقياء
بطفلة صغيرة ترتدي ملابس قديمة، وتطْلب مساعدة العابرين بها. فتساءل في قلبه: لِمَ تسمح بهذا يا الله؟! وطلب
إلي الله أن يساعد هؤلاء المحتاجين. وفي المساء سمِع أخبارًا وشاهد صورًا عن أطفال يُعانون الجوع، والخوف،
والألم، فأعاد السؤال مرة أخري: لماذا يا الله؟ وختم بالطلب نفسه: أرجوك، يا الله، أن تفعل شيئًا لهؤلاء البشر
التعساء! وفي الليل وهو يستعد لنومه، إذا بأصداء صوت تتردد داخله: إني قد فعلتُ شيئًا: لقد صنعتُك “أنت”! نعم
لقد صنع الله الإنسان ليمُد يده بالكرم لمعونة إخوته في الإنسانية: في عطاء ماديّ، أو من وقته، أو بكلماته الطيبة، أو
بكرم خُلقه نحو الجميع… “لقد صنعتُك أنت”