دعوة إلي الأمل
اليوم ونحن نحتفل بعيد القيامة المجيد. نهنيء الجميع متذكرين كل إخوتنا الشهداء الذين انتقلوا من الخصوص.بالقيامة لم يعد الموت هو نهاية حياة الإنسان وإنما صار جسرا يعبره الإنسان ليصل من مكان إلي مكان من الأرض إلي السماء.
والسماء مكان رائع لم يستطع الإنسان تخيله أو إدراكه حتي إن معلمنا بولس الرسول في رسالته الأولي إلي أهل كورنثوس حينما أراد الحديث عنه قال: “ما لم تري عين. وما لم تسمع أذن ولم يخطر علي بال إنسان: ما أعده الله للذين يحبونه” 2:.9
وقد حاول الملحدون إنكار وجود الله والقيامة وخلود الإنسان معتبرين هذه الحياة “تافهة وبلا معني” حتي أن سارتر قال عن الوجود: “إنه تافه” ولكنهم لم يستطيعوا إيجاد حل لمشكلة الموت فقد كان هناك دائما سؤال يتردد في أذهانهم: ماذا بعد الموت؟ كما أنهم لم يستطيعوا أن يتخطوا رهبة هذا الموت.
في القيامة يعطي الإنسان طبيعة جديدة. فهو سيأخذ جسدا له سمات مختلفة عن جسده الذي يحيا به علي الأرض فمع أن جسد الإنسان قابل للموت وللمرض وللضعف إلا أن جسد القيامة لا يموت ولا يمرض ولا يضعف وهذا ما ذكره معلمنا بولس الرسول: “هكذا أيضا قيامه الأموات: “يزرع في فساد ويقام في عدم فساد يزرع في هوان ويقام في مجد يزرع في ضعف ويقام في قوة” 1 كو 15: 42. .43
ومن هنا نجد أن القيامة ترفع نظر الإنسان إلي السماء وتعطي معني لوجوده.
يقول أحدهم: أتمني بعد نهاية حياتي عندما أقف أمام الله أن لا تكون لدي موهبة تركت بلا عمل وأن استطيع أن أقول لله أنني استخدمت كل ما أعطيتني إياه.
كثير من البشر يتساءلون عن سبب وجودهم في هذه الحياة فهم لا يجدون معني لهذا الوجود ولا يسعون إلي أن يكون لهم دور أو شأن. وكأن لسان حالهم يردد القول الذي جاء في الكتاب “لنأكل ونشرب لأننا غدا نموت!” 1 كو 15:.32
مثل هؤلاء يشعرون دائما بالإحباط وعدم الرغبة في الحياة. وهم يحاولون أن يضعوا لأنفسهم هدفا أو أن يكتشفوا رسالتهم في هذه الحياة معتبرين أن الحياة هي فترة زمنية ستنقضي وتنتهي.
حين ما يفكر الإنسان في القيامه يدرك أنه خالد. وأنه سيحاسب عن حياته وأعماله فيها: كما قال الكتاب: “فإذا كل واحد منا سيعطي عن نفسه حسابا لله” رو 14:12 وسيفكر: هل استخدمت لخيره ولخير من حوله. أم لا؟ حينئذ سيبدأ الإنسان في التفكير في معني وهدف لحياته وهناك الكثيرون الذين أدركوا أهمية حياتهم ووهبوها لخدمة كل من حولهم فصارت حياتهم نورا وأملا ينتشران في حياة كل من عرفهم بل إن حياتهم صارت خطوات في طريق آخرين يقتفون أثرها.
يحكي عن رجل كان يركب حافلة النقل العام “الأتوبيس” كل يوم ذاهبا إلي عمله بأحد المصانع في رحلة تستغرق قرابة الخمسين دقيقة وفي إحدي المحطات التي يمر بها كانت تصعد سيدة تحاول دائما الجلوس إلي جانب النافذة ثم تقوم هذه السيدة بإخراج كيس من حقيبتها وتقذف بشيء من نافذة الحافلة وفي إحدي المرات سألها أحد الأشخاص بماذا تلقي؟ فأجابته: ألقي بذور زهور. فالطريق لا يزينه شيء وأنا أحب أن أري الورود علي جانبي الطريق حتي يصير المنظر جميلا جدا قال الرجل: إن الورود لن تنمو علي جانبي الطريق فقالت: حقا إن الكثير من البذور سيضيع هباء. ولكن سيقع البعض علي التراب وينمو فسألها عن الماء. وكيف ستنمو البذور. فقالت: أنا أعمل ما علي وستأتي الأمطار التي ستجعلها تنمو صمت الرجل وهو غير مقتنع! مضي الوقت إلي أن جاء اليوم الذي رفع الرجل فيه بصره ليري الطريق فإذا به تملأه الورود علي كلا الجانبين فقال لنفسه: ما أجمل الطريق! وما أجمل الورود التي زرعت فيه! وتذكر السيدة وسأل عنها فقيل له إنها ماتت إثر نزلة شعبية وعندما نظر إلي المنظر الرائع تساءل: وماذا استفادت هذه السيدة؟ لقد ماتت دون التمتع بشكل الورود! وفي اللحظة نفسها سمع صوت طفلة تضحك وتشعر بالسعادة لأجل هذا الطريق الرائع الممتليء بالزهور وفهم الرجل ما فعلته هذه المرأة العظيمة فإنها وإن لم تتمتع بالزهور إلا أنها منحت من حولها هدية عظيمة. دعوة إلي الأمل قرأت قصة عن أربع شمعات كانت تشتعل بهدوء وكان الجو هادئا وتحدثت الشمعات معا الشمعة الأولي قالت: أنا السلام! العالم مليء بالغضب والعراكات لا أحد يمكنه المحافظة علي مضاءة وهكذا انطفأت شعلة السلام تماما. قالت الشمعة الثانية: أنا الإيمان! لا أحد يحتاج إلي ليس هناك من ضرورة أن أبقي مضاءة وهبت نسمة خفيفة اطفأت شعلة الإيمان. وعبرت الشمعة الثالثة بحزن: أنا الحب! لكن الناس لا يعرفون أهميتي ويضعونني جانبا لقد نسوا أن يحبوا حتي المقربين منهم وانطفأت شعلة الحب فجأة دخل صبي وشاهد الشمعات الثلاثة منطفئة فقال: لماذا لست مشتعلة؟ من المفروض أن تشتعلي حتي النهاية وبدأ الصبي في البكاء لكن الشمعة الرابعة أجابت: لا تخف أنا الأمل بواسطة شعلتي يمكننا إعادة إضاءة الشمعات الأخري وبعينين لامعتين وبأمل أضاء الولد الشمعات الثلاث المنطفئة.
هكذا القيامة تبعث علي الأمل داخل النفس البشرية فيشتعل داخلها كل الصفات والفضائل الجميلة فيبزع الإيمان داخلها ويمتليء الإنسان ثقة بوجود الله ومحبته وعنايته ورعايته ومن هذا الإيمان تتدفق المحبة في قلب الإنسان لكل من حوله فيسعي إلي السلام مع الجميع. وأيضا القيامة تفتح باب الأمل لكل إنسان متعب أو حزين أومتألم أو مريض فالحياة هنا رحلة قصيرة قد تمتليء بالمتاعب أو الضيقات ولكن أعيننا تتجه إلي السماء المسكن والحياة التي لن تنتهي هذا يهب الإنسان صبرا وعزاء لأنه يوما ما سيعرف الحياة دون ألم أو تعب أو مرض أو حزن أو موت.
دعوة إلي أن تبني حياتك .. إن حياتنا علي الأرض هي استعداد للحياة في السماء فيجب علينا أن نهتم ببنائها وأن تكون علي أفضل نهج يمكن أن يقوم به الإنسان فما تصنعه علي الأرض هو الكنز الذي تختزنه في السماء وقد نصحنا السيد المسيح أن يكون كنزنا في السماء: “بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء. حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون..” مت 6: .20
فما ستقوم ببنائه في هذه الحياة هو ما ستحياه في السماء فلا تكن مثل النجار الذي قرر أن يتقاعد عن عمله وأخبر صاحب العمل برغبته وبأنه يرغب في عيش نهاية حياة سعيدة هادئة مع زوجته حزن المتعهد لرحيل نجار صالح مثل هذا. وطلب منه أن يقوم ببناء خر بيت قبل رحيله. فوافق النجار ولكن قلبه لم يكن علي العمل.