فى طريق الحياة، نسير رحلتنا نؤثر فيها ونتأثر بمن يعبرون جسرها معنا. إلا أن أشد تأثير وأعمقه فى حياة الإنسان، متكوِّنًا داخل الأسرة، هو من الوالدين، كما قال أحدهم: “أمى لا تقدَّر بثمن ، وأبى لا يكرِّره الزمن.”. وللأم تأثير عميق فى تكوين شخصية الإنسان سواء إيجابًا ، أو سلبًا ، إذ إنها الشخص الذى يقضِّى أوقاتًا أطول مع الأبناء ، وهى التى تحمل فى أعماقها قلبًا دافئًا يقودها لرعاية أبنائها، بحب وحنان يَندُر أن يوجد لهما مثيل. وهٰكذا تصير الأم هى صانعة الرجال والعظماء.
وبنظرة سريعة فى نماذج من عظماء العالم الذين كان لهم تأثير عظيم فى تاريخ الإنسانية ، يمكننا أن نتتبع آثار أمهاتهم اللاتى خَطَطن فى طريق نجاحهم وعظمتهم. فلا أحد يمكنه أن يُنكر دَور والدة “الإسكندر الأكبر” فى اهتمامها بتعليمه على يد الفيلسوف “أرسطو”، وتدريبه على الفُروسية بعد مقتل والده الملك “فيليب الثاني”، ليستمر فى الكفاح حتى استطاع أن يؤسس إحدى كُبريات إمبراطوريات العالم وأعظمها، التى امتدت من سواحل “البحر الأيونيّ” غربًا حتى سلسلة جبال “الهيمالايا” شرقًا.
أيضًا من يقرأ حياة الإمبراطور “نابُليون بونابرت” يُدرِك الدور الأساسى الذى قامت به والدته وهو ما أثر بدرجة بالغة فى نشأته؛ وقد أقر “نابُليون” بذٰلك عندما قال: “أنا مَدين لها بكل شىء: فقد أحسنت تربيتى، وأعطتنى من كبريائها، وعلَّمتنى حُسن إدراك الأمور”؛ فهٰكذا استقى منها العزيمة والإصرار والشجاعة، إلى جانب الإرادة التى لا تعرِف الفشل أو الإحباط.
ولم تكُن أدوار الأمهات مع الأباطرة والملوك فقط، بل كانت لهن أيادٍ بيضاء فى تقديم العباقرة فى كل مجال: فهناك والدة “توماس إديسون” التى باهتمامها وعنايتها به ورعايتها له أتاحت الطريق لظهور عبقريته، بعد أن قيل عنه يومًا ما إنه غبى ومتخلف عقليًّا !! ليصبح ذٰلك المخترع العبقرى الذى سجل أكبر عدد من براءات الاختراع التى عرَفها تاريخ “الولايات المتحدة الأمريكية” حتى اليوم!! كما أصبح الثالث من بين أكثر العظماء الذين كان لهم أشد التأثير فى الحضارة الإنسانية. ويكشف لنا “إديسون” سر عظمته فيقول: “إن أمى هى التى صنعتنى: لأنها كانت تحترمنى، وتثق بى، وأشعرتنى أننى أهم شخص فى الوُجود؛ فأصبح وُجودى ضروريًّا من أجلها، وعاهدتُ نفسى أن لا أخذلها كما لم تخذلنى أبدًا.”. وأُم أخرى قدَّمت لنا زعيمًا استطاع أن يحرر بلاده من الاحتلال البريطانيّ، دون أن يُطلق رَصاصة واحدة!! هو الزعيم الهندى “ألمهاتما غاندى”، إذ كرست أمه حياتها لعائلتها ولعبادتها، فكانت تفيض عطفًا واهتمامًا وحنانًا، وعلَّمت ابنها الصدق والاهتمام بالآخرين؛ فأضحى القائد العظيم “غاندى”.
وفى عيد كل أم، أتقدم بالتهنئة لمن استطاعت بمحبتها التى لا تتوقف عن أن تحرك عقول أبنائها وقلوبهم لتصنع منهم رجالًا صنعوا ـ وما زالوا ـ التاريخ والحضارة .
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى .