تحدثنا فى المقالة السابقة عن العَلاقات العميقة بين «روسيا» و«مِصر» على مدى تاريخ طويل، بدأ منذ القرن الثامن عشَر عندما عُين أول قنصل روسى فى «الإسكندرية». ثم «قناة السويس» التى ربطت بين تاريخ البلدين، منذ أن بدأ فى اتفاقية القسطنطينية عام ١٨٨٨م، حتى أزمة «قناة السويس» عام ١٩٥٦م عندما وقفت «روسيا» ضد العُدوان على «مِصر»، ثم مساعدتها الكبيرة فى بناء «السد العالى» حتى إن نُصْبًا قد أقيم تَذكارًا لذٰلك، مايزال إلى الآن قرب «أسوان» تعبيرًا عن الصداقة المِصرية السوفييتية.العلاقات المِصرية الروسية فى الخمسينيات والستينيات
شهِد هذان العقدان من القرن العشرين تعاونا سوفييتيًّا مِصريًّا كبيرًا فى مجالات عدة، حيث قدَّم «الاتحاد السوفييتى» إلى «مِصر» مساعدات فى: تحديث قواتها المسلحة بتزويدها بالخبرات العسكرية السوفييتية، واستقبال البَعثات المِصرية العسكرية فى «الاتحاد السوفييتى»، إلى جانب تشييد السد العالى، ومشروعات وصل عددها إلى ٩٧ مشروعًا مثل: مد الخطوط الكهربائية من «أُسوان» إلى «الإسكندرية»، وإقامة «مصنع الحديد والصُّلب» فى «حُلوان»، و«مجمَّع الألومنيوم» فى «نجع حمادى».وبعد هزيمة «مِصر» فى عام ١٩٦٧م، بدأت «روسيا» فى إمداد «مِصر» بالأسلحة، مع إرسال عدد أكبر من الخبراء السوفييت فى الجيش المِصرى لتدريبهم على الأسلحة الجديدة. كذلك لجأ «عبدالناصر» إلى السوفييت لإقامة شبكة صواريخ من طِرازى «سام١» و«سام٢» عامى ١٩٦٨ و١٩٦٩م، بعد ضرب «إسرائيل» لأهداف مِصرية فى أثناء حرب الاستنزاف.
العَلاقات المِصرية الروسية فى السبعينيات
تولى الرئيس «أنور السادات» الحكم، بعد وفاة الرئيس «جمال عبدالناصر»، فى بداية السبعينيات من القرن الماضى، وظلت العَلاقات المِصرية السوفييتية قائمة على نحو طبيعى، بل تأكدَت وتوثقت من خلال بيان صدر عقب زيارة الوفد السوفييتى للتعزية فى الرئيس «جمال عبدالناصر» والاجتماع إلى القيادات المِصرية، وحمل البيان تعهدًا باستمرار عَلاقات التعاون المِصرية السوفييتية. وفى عام ١٩٧١م، فى أثناء زيارة «بودجورنى» إلى «مِصر»، وُقعت معاهدة للصداقة والتعاون بين البلدين مدة خمسة أعوام.
ثم بدأت اضطرابات فى العَلاقات المِصرية السوفييتية بشأن حصول «مِصر» على السلاح من «الاتحاد السوفييتى»، حتى إن الأمور قد وصلت إلى أشدها فى عام ١٩٧٢م عندما قرر الرئيس «السادات» الاستغناء عما يقرب من ١٥ ألف خبير روسى وإعادتهم إلى بلادهم، إذ كان يرى أن دَور الخبراء الروس فى الجيش يُعيق الحرب ويؤخرها، علاوة على أن الاتحاد السوفييتى كان قد وافق على تزويد «مِصر» بالأسلحة شريطة عدم استعمالها إلا بأمر منه! ومع حلول عام ١٩٧٦م، قُطعت العلاقات المِصرية السوفييتية نهائيًّا حتى استعيدت عام ١٩٨١م.
العَلاقات المِصرية الروسية فى الثمانينيات
بدأت العَلاقات المِصرية بـ«الاتحاد السوفييتى» تعود تدريجيًّا فى ثمانينيات القرن الماضى مع وصول الرئيس «حسنى مبارك» إلى سُدة الحكم.
ولكن مع بداية عام ١٩٩٠م، تعرضت الحكومة السوفييتية لمشكلات اقتصادية أخذت تتفاقم بدرجة كبيرة، مع حدوث عدد من الثوْرات فى عدة مقاطعات رغبةً فى نَيل الاستقلال عن الاتحاد السوفييتى، وقد وصلت المشكلات إلى الحد الذى فقدت فيه الحكومة السوفييتية السيطرة على الأوضاع الاقتصادية، وزاد الأمر تعقيدًا أن بدأت الصراعات الداخلية ما أدى إلى حل «الاتحاد السوفييتى» مع نهاية عام ١٩٩١م، وتحوله إلى اتحاد «دُول الكومنولث»، ثم إلى «روسيا الاتحادية» على يد الرئيس الروسى «بوريس يلتسين». لكن «مِصر» كانت من أُوَل الدُّول التى أقامت عَلاقات دبلوماسية مع «روسيا الاتحادية» بعد حل «الاتحاد السوفييتى».
زيارات البلدين المتبادَلة
بدأت الزيارات بين «روسيا» و«مِصر» منذ القرن التاسع عشَر، فقد شهِدت السنوات الأخيرة منه زيارات بين ممثلين عن القيصر «ألكسندر الثانى» والوالى «مُحمد على الكبير»، ثم زيارة إخوة القيصر «ألكسندر الثالث» إلى «مِصر» عام ١٨٨٨م مع نجليه «نيقولاى الثانى» و«كيوركى» فى عام ١٨٩٠م.
ثم قام الخديو «عباس»، قبل توليه مهمات السلطة، برحلة إلى مدينة «سانت بطرسبرج». وفى عام ١٩٠٠م، زار مدينة «أوديسا» فى أثناء توجهه إلى «رومانيا». كذلك زار الأمير «مُحمد على»، عام ١٩٠٩م، كلًّا من «القوقاز» و«سيبريا» وهو فى طريقه إلى «اليابان».
وكانت أولى زيارات الرئيس «جمال عبدالناصر» إلى «الاتحاد السوفييتى» فى إبريل من عام ١٩٥٨م، عندما استقبله الزعيم السوفييتى «نيكيتا خُروتشوف»، حيث هدَفت تلك الزيارة إلى تعاون الاتحاد السوفييتى فى بناء «سد أُسوان» بعد تراجع «الولايات المتحدة الأمريكية» عن تمويلها للمشروع، وقد دعم «الاتحاد السوفييتى» المشروع بإرسال ٤٠٠ خبير للمساعدة فى عملية بناء السد، إضافة إلى الدعم المالى الذى قدمه إلى «مِصر». ثم كانت هناك زيارة ثانية للرئيس «عبدالناصر» فى يوليو من عام ١٩٦٨م، مثلما زار «مصر» الرئيس الروسى «نيكيتا خروتشوف» فى مايو عام ١٩٦٤م، حيث استقبله الرئيس «جمال عبدالناصر» وقتئذ.
ثم فى السبعينيات، قام الرئيس «السادات» بزيارة إلى «الإتحاد السوفييتى» فى إبريل عام ١٩٧١م، حيث استقبله «ألكسيه كوسيجين» رئيس مجلس وُزراء «الاتحاد السوفييتى»، حيث عقد الرئيس «السادات» مباحثات مع السكرتير العام للحزب الشيوعى السوفييتى «ليونيد بريچنيف».
ثم جاءت الزيارة الرسمية الأولى من الرئيس «حسنى مبارك» إلى «روسيا الاتحادية» فى مايو عام ١٩٩٠م، ثم الثانية فى سبتمبر عام ١٩٩٧م وقّع خلالها البيان المِصرى الروسى المشترك، وسَبْع اتفاقيات تعاون، أعقبها عدد من الزيارات فى أعوام ٢٠٠١ و٢٠٠٦ و٢٠٠٨م.
ومن الجانب الروسى، قام وزير الخارجية الروسى «يفجينى بريماكوف» بزيارة إلى «مِصر» عام ١٩٩٧م، حيث كان فى استقباله الرئيس «حسنى مبارك». وفى إبريل عام ٢٠٠٥م، قام الرئيس «فلاديمير بوتين» بزيارة «مِصر» فى مباحثات ثنائية أثمر عنها صدور بيان مشترك بشأن تعميق عَلاقات الصداقة والشراكة بين «روسيا الاتحادية» و«جمهورية مِصر العربية». وفى يونيو من عام ٢٠٠٩م، قام الرئيس الروسى «دميترى ميدفيديف» بزيارة «مِصر»، حيث وقع الرئيسان عددًا من الوثائق المخصوصة بالشراكة الاستراتيچية بين البلدين.
وفى نوفمبر عام ٢٠١٣م، زار «مِصر» كل من: «سيرجى لافروف» وزير خارجية «روسيا الاتحادية»، والچنرال «سيرجى شويجو» وزير الدفاع، و«ميخائيل بوجدانوف» نائب وزير الخارجية، المبعوث الخاص من الرئيس الروسى لشُؤون «الشرق الأوسط»، و«سيرجى كيربيتشينكو» سفير «روسيا الاتحادية» فى «القاهرة»، و«سيرجى فيرشينين» المبعوث الخاص لوزير خارجية «روسيا» لشُؤون التسوية فى «الشرق الأوسط»، حيث استقبلهم الرئيس السابق «عدلى منصور» فى حضور الفريق الأول «عبدالفتاح السيسى» الذى كان آنذاك النائب الأول لرئيس الوُزراء القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى، و«نبيل فهمى» وزير الخارجية، ود. «مصطفى حجازى» المستشار الاستراتيجى للسيد الرئيس.
كذلك كان لـ«روسيا» دور بارز فى أعقاب «ثورة ٣٠ يونيو»، ففى نوفمبر من عام ٢٠١٣م، تلقى الرئيس «عدلى منصور» اتصالًا هاتفيًّا من الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» عبّر خلاله عن دعمه ودعم «روسيا الاتحادية» الكامل لـ«مِصر» ولإدارتها الانتقالية التى تمثل إرادة الشعب المِصرى…. و… وعن مصر الحلوة الحديث لا ينتهى…!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى